
لا يتذكر اليمنيون عدد المرات التي أعلن فيها التحالف العربي إنطلاق معركة الحديدة وإيقافها، ولا يتذكرون مكاشفة واحدة أخبرهم فيها التحالف عن سبب منطقي لايقاف المعركة. منذ أكثر من عام يحشد التحالف قواته ويقرع طبول الحرب وتبدأ الأجواء في منتهى الجدية والرخم الحاسم، ثم فجأة ودون مقدمات تبدأ المعركة تنحسر ويتلاشى كل ذلك الغبار دفعة واحدة..!
*جذور مشكلة المعارك المعلقة
يمكننا القول أن الارتباكات الحاصلة في مسار معركة التحرير لا تقتصر على معركة الحديدة فحسب؛ بل تكاد تكون طابع عام يصبغ غالبية المعارك المفتوحة في جبهات الشمال دون إستثناء؛ لكن وقبل دخول معركة الحديدة على الخط، كان البعض يعتقد أن أسباب المعارك المعطلة في جبهات الشمال، تعود لطبيعة القوات المرابطة هناك وتكويناتها المحسوبة على هذا الطرف أو ذاك، وبالتحديد جبهات نهم والجوف وصرواح وميدي.
ومع دخول معركة الحديدة نفس المنعرج المرتبك لباقي جبهات الشمال، تجلى السؤال المهم وهو أين يمكن الخلل الذي يعطل المعارك بهذا الشكل..؟
وبلا شك فإن جذور القصة لا تكمن في عدم القدرة على حسم المعركة أو نقص في العدة والعتاد، بل إن القصة هي في عدم وجود إرادة سياسية حاسمة للدفع بالمعركة حتى نهايتها، إضافة إلى أن التحالف خاضع لابتزاز دولي ولم يفعل شيئًا؛ للتملص من الضغوط المتزايدة بهذا الخصوص، مع كون هذا السبب الأخير أقل أثرًا من الأول، ومع كونه حقيقي؛ لكن بوجود الإرادة السياسية الجادة يمكن للتحالف مواصلة المعركة وفي نفس الوقت اللعب الدبلوماسي لامتصاص الضغوطات المحتملة، وفي النهاية فالدبلوماسية الدولية ستضطر على التعامل مع الواقع الجديد الذي تفرضه وقائع المعركة على الأرض، إلى جانب أن التحالف سيتمكن من إحتواء آثار المعركة بعد أن يكون قد حسمها لصالحه.
* تبعات التلاعب بمعركة الحديدة
* على الصعيد الإنساني:
كانت أغلب الدعوات الغربية لوقف معركة الحديدة تنطلق من مخاوف الأضرار الإنسانية المحتملة للمعركة، ومع كون القلق الدولي يبدو طبيعيًا في ظاهره إلا أنه يخفي حقيقة أن المواطنين الواقعين تحت حكم المليشيا طيلة أربع سنوات قد تضرروا أضعاف ما يمكن أن تخلفه عليهم الحرب الرامية لتحريرهم، ومع هذا فإن المعركة التي انطلقت ثم توقفت، خلفت آثارا إنسانية مماثلة لتلك التي كانت ستحدث لو أن المعركة لم تتوقف، حيث إن بدء المعركة كان رسالة كافية لبدء موجة النزوح ثم حين نزح عشرات الألاف من الناس توقفت المعركة، إضافة لتعطل الأعمال في المدينة وفقدان الناس مصادر رزقهم، وهنا تكمن المأساة، فالمجتمع الذي يتوق للخلاص من حكم المليشيا، أبدى استعداده لتحمل أعباء المعركة ما دامت ستخلصه من نيران المليشيا؛ لكن إيقاف المعركة يتسبب_ إلى جانب تشرد الناس وتعطل حياتهم_ بخيبة أمل كبيرة تفقدهم ثقتهم بأي معركة قادمة يعلنها التحالف.
* على صعيد الموقف الشعبي
قطاعات واسعة من الشعب المتلهف للخلاص من الحوثي، كل يوم تفقد حماسها بجدوى المعركة، والسبب هو أنها تتعرض لعملية استنزاف عاطفي لمرات متتالية، ثم بعد أن تكون الجماهير في أوج تفاعلها الوجداني مع الجيش، تحدث الانتكاسة بكل ما تخلفه من تزايد مستويات إنهيار الثقة، وشعور الجماهير بأن المعركة تفتقد للنزاهة الكافية وعلى أقل تقدير مجرد تحشيد عسكري للضغط على الحوثيين وليست حربًا لاخضاعهم للسلام، كما يأمل الشعب، وبالتالي لن يكون مثار غرابة أي تراجع مستمر في الزخم الشعبي المساند للمعركة، حتى إذا انطلقت المعركة الحاسمة، لن يجد التحالف مجتمعًا يفتح له ذراعيه، وأضعف الإيمان سيجد مجتمعًا محايدًا سلبيًا في أهم معاركه المصيريه والسبب ليس أنه لا يريد الخلاص؛ بل لكونه فقد اليقين بجدوى المعركة وتلاشى في وجدانه الحماس.
الخلاصة:
يتوجب على التحالف العربي والحكومة الشرعية مراجعة استراتيجة المعركة، ومكاشفة الناس بأسباب هذا التردد المريب، وعليه أن يعيد حسابات الربح والخسارة جراء هذا المسار المرتبك في كل جبهات الشمال، مع العلم أن تكاليف المعارك المعلقة تستنزف التحالف بأكثر مما كانت ستكلفه المعركة لو أنها حدثت بإرادة كاملة وتصميم منهجي حاسم، في هذه الحالة كان التحالف سيتفادى كل الخسائر المتضاعفة للحرب وينجز الغاية بتكلفة أقل وقبل هذا ما كان الشعب سيكون محبطًا كما هو حاله الآن وهو يشاهد عشرات المعارك، تنطلق يومًا وتخفت دون أن تضع أي إعتبار للناس وحياتهم التي تزداد تدهورا كل يوم ويدفعون ثمنها مزيدًا من التشرد والجوع والهوان.