علينا أن نفتش عن الأطراف المنخرطة في هذه الأزمة، ومنهم قيادة المحافظة وجماعة الحوثي.
فهي أولًا نتيجة خليط من فشل السياسات وسوء إدارة، يستحقان أقسى العقوبات الاجتماعية والقانونية. وإذا لم يكن هذا هو الفساد، فما هو إذًا؟
هناك رغبة واضحة في حرف مسار الأزمة نحو تلاسن حزبي، وطرح أرقام مالية بصورة ضبابية حول التكاليف وطبيعة المشاريع، بدلًا من الاعتراف بجوهر المأساة.
كيف كان الأمر قبل الحرب؟ وكيف أصبح اليوم؟
الإجابة عن هذا السؤال تحدد بشكل دقيق من هو المسؤول الأول عن تعطيش مدينة بأكملها.
إن هذه الأزمة في جوهرها نتيجة مباشرة للحصار الحوثي للمدينة، وعدم تناولها من زاوية حقوقية يعني ببساطة إعفاء الجاني من مسؤوليته. فاستخدام المياه كسلاح للإخضاع والتضييق يُعد جريمة حرب وفقًا للتكييف القانوني لقانون النزاعات المسلحة.
يرجى العودة إلى كتاب الصحفي همدان العلي "الجريمة المركبة" حول الموضوع.
لكن، هل توجد تقارير واضحة توثق هذه الجريمة؟
هل وُثقت آليات استخدام المياه كسلاح للحصار؟ كيف يمر حرمان مدينة من اكبر مدن اليمن من الوصول إلى آبارها التي تغذيها بالمياه والواقعة في مناطق سيطرة الحوثيين في الحوبان، وكأن شيئًا لم يكن؟ هذا الصمت سؤال بحد ذاته.
هناك أيضًا بُعد اجتماعي غائب عن أغلب التحليلات، يتمثل في أن المياه لم تكن يومًا أداة حرب داخل المجتمع اليمني. المدونة العُرفية، إن أمعنا النظر فيها، تحتوي على بنود دقيقة لتنظيم استخدام المياه وتقنينها.
فالقبائل اليمنية قد تحترب على الموارد الطبيعية كالزرع والأشجار ومناطق الرعي، لكنها ابتكرت حلولًا لتقاسم المياه. وعندما تهب السيول، تتوقف الحرب مؤقتًا، لأن المسألة تصبح وجودية، أكبر من النزاعات الظاهرية. بل إن المتحاربين أنفسهم يتعاونون حينها على إدارة المياه.
الجديد في هذه الحرب هو استخدام الحوثي للمياه كوسيلة حرب وقد يستخدمها في مناطق أخرى ولن أفصح عن مخاوفي هنا.
وإذا رجعنا إلى قضايا "الشَّرائع" في المحاكم، سنجد أن اغلبها يدور حول الموارد المائية (مكاريع المياه)، وقد تعقدت هذه النزاعات بسبب الفجوة الواسعة بين المدونة القانونية الحديثة والنظام العرفي التقليدي.
بعدٌ آخر لا يقل أهمية هو فقدان شبكات التضامن قدرتها على تشخيص المشكلات الجوهرية في البلد، وتغوّل رأس المال وانسحابه من أداء واجباته الاجتماعية.
انظروا إلى المشاريع التي نُفذت خلال السنوات العشر الماضية: أغلبها يغضّ الطرف عن القضايا الجوهرية، وينشغل بمناصرة قضايا جزئية تتعلق بعُسر عشرين شخصًا، بينما يغضّ الطرف عن كارثة تضرب مليون إنسان.
أزمة المياه في تعز تؤكد أن الحرب لا تزال قائمة، ولو بأشكال أخرى.
السلام الذي لا يتطرق إلى مثل هذه الموضوعات من المعاناة، لا معنى له، ولا مصداقية.
في الخاتمة، لقد عجزت قيادة محافظة تعز عن معالجة هذه الأزمة، وعجزت عن إيصال واقع الحصار إلى الرأي العام، وعجزت النُخب عن النظر إلى جوهر قضايا المحافظة، واكتفت بالسطحي والعابر.
*من صفحة الكاتب على فيسبوك