حكمت محكمة الأحداث اليوم الثلاثاء ٢٨ يوليو ٢٠٢٠ في العاصمة الأردنية عمان ببراءة الطالبة اليمنية توجان البخيتي من التهم المنسوبة إليها، بعد ثمانية أشهر من التحقيقات والمحاكمة، حكمًا ابتدائيًا قابلًا للإستئناف، وذلك في الدعوى المرفوعة من مدعي عام أحداث عمان، بناءًا على مذكرة رصد من وحدة مكافحة الجرائم الإليكترونية.
وحسب تصريح توجان البخيتي في صفحتها على الفيس بوك فقد أكدت المحكمة في منطوق الحكم أن "الأفعال التي أقدمت عليها المُشتكى عليها الحدث توجان علي البخيتي أفعالًا غير مجرمة وفق القانون الأردني"، لعدم توفر الركن المعنوي (القصد الجرمي) لجرم نشر مطبوع أو مخطوط أو صورة أو رسم أو رمز من شأنه أن يؤدي إلى إهانة الشعور الديني لأشخاص آخرين وإلى إهانة معتقدهم الديني.
وعبرت البخيتي عن سعادتها بهذا الحكم، وقالت " اعبر عن سعادتي الكبيرة لانتهاء هذه المحطة المرهقة من حياتي، وأتقدم بالشكر الجزيل للقضاء الأردني العادل، وللأردن شعبًا وحكومة، وعلى رأسهم جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، على استقبالنا كيمنيين وعرب، وتوفير كل سبل الرعاية لنا، مثلنا مثل الشعب الأردني، وكذلك على إنصافنا أمام القضاء ومختلف المؤسسات الأردنية، دون تحيز ضدنا كوافدين أو لاجئين، كما هي عادة الأردن في التعامل مع كل اللاجئين إليه".
وأضافت "وأشكر كل من وقف معي من أسرتي، وكل الشخصيات النسوية وإخواني الناشطين والكتاب والصحفيين، والمنظمات الحقوقية، وعلى رأسها منظمة العفو الدولية، على بيان الدعم والمساندة وعلى الرسالة التي وجهتها المنظمة إلى وزير العدل الأردني وعلى متابعتها المتواصلة لمجريات المحاكمة، وأشكر كل وسائل الإعلام والمواطنين اليمنيين والأردنيين وكل من ساندني من مختلف دول العالم، وأسامح في نفس الوقت وعن طيب خاطر القليل الذين تجرحوا فيني أو في والدي وأسرتي وأساؤوا لنا، وأشكر القنوات التلفزيونية التي وقفت بجانبي بتغطية قضيتي مع مدرستي "مدارس الجزيرة" ومديرها العام الاستاذ خالد الهندي، والذين تسببوا لي بهذه المشكلة والقضية والمعاناة بشكل أو بآخر، نتيجة بيانهم التحريضي الجهادي الذي نشروه ضدي، وأشكر بالأخص الكتاب والصحفيين الذين كتبوا تقارير ومقالات دفاعًا عني، والتي كانت السند المعنوي لي في هذه المحاكمة الأطول في تاريخ الأردن لحدث (قاصر) بسبب قضية نشر في مواقع التواصل الاجتماعي".
حيثيات ومنطوق الحكم
——-
المملكة الأردنية الهاشمية
السلطة القضائية
محكمة صلح أحداث عمان
رقم القضية: ١١٢/ ٢٠٢٠
القرار:
القاضي هناء جميل أبو حمدية
المأذون بإجراء المحاكمة وإعطاء القرار بإسم حضرة صاحب الجلالة ملك المملكة الأردنية الهاشمية عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم
وباستعراض المحكمة لأفعال المشتكى عليها ووقائع هذه الشكوى والبيانات المقدمة فيها... تجد المحكمة أن المشتكى عليها الحدث قامت "بنقل أو إعادة نشر" منشورات من صفحة والدها باسم (صحيح البخيتي) والتي تحتوي على نقاش ومناظرة في بعض الموضوعات الدينية "كأحكام الصلاة في الإسلام" وفق منظورين (الأول/ الإسلام التقليدي الموروث) و (الثاني/ الإسلام الاجتماعي) وكذلك موضوع كيفية نشر أتباع كل ديانة لمعتقدهم الديني بالعنف والتطرف، وبغض النظر عن صحة الأفكار الواردة في محتوى ومضمون المنشورات، فإن المحكمة لا تملك الحكم في صحة أو عدم صحة هذه الأفكار الدينية الواردة في محتوى المنشورات وليس من شأنها ذلك، ولا يجوز للمحكمة أن تدلل بعلمها الشخصي في مضمون تلك المنشورات، أو أن تبدي الرأي الشخصي بالاتفاق مع مضمون المنشورات من عدمها تاركةً ذلك لأهل الاختصاص، وكون أن حرية التعبير والرأي مصونة بموجب أحكام الدستور الأردني وكذلك نصوص الاتفاقات والعهود الدولية المصادق عليها من حكومة المملكة الأردنية الهاشمية المشار إليها، فإن مجرد قيام المشتكى عليها الحدث بمشاركة النشر لتلك المنشورات من صفحة والدها يعني وقوع الركن المادي لهذا الجرم.
وباستعراض المحكمة للوقائع للتثبت من توافر الركن المعنوي أي وجود القصد الجرمي لذلك الفعل، فإن المحكمة تجد أن الهدف من اعادة نشر الحدث المشتكى عليها لتلك المنشورات هو إدارة حوار ونقاش وعمل مناظرة بين متابعين لها على مواقع التواصل الاجتماعي بين مؤيد ومعارض، للوصول بالنتيجة إلى حوار هادف بتكوين شخصية بناءة تدافع عن رأيها وتسنده بالأدلة، وتقبل الاختلاف والرأي الآخر، وتلتزم باحترام المعارض دون تجريح، ولم يكن غاية الحدث المشتكى عليها إهانة الشعور أو المعتقد الديني للآخرين، ولما كان البحث والتثبت من الركن المعنوي (القصد الجرمي) من الأمور النفسية الداخلية الدفينة في النفس، والتي تتثبت المحكمة من وجودها من الظروف المادية المحيطة بالفعل، فإن المحكمة تجد أن الحدث المشتكى عليها ولدى الإدلاء بإفادتها الشرطية -المؤيدة بشهادة منظمها الملازم أول "ياسين الفاعوري" قد بينت "أنها قامت بمشاركة منشورات والدها عبر صفحته على الفيس بوك تحت مسمى (صحيح البخيتي) ولاكنني لا علم لي بجميع محتويات المنشورات من قبل والدها، وكان هدفها فقط من مشاركة المنشورات هو حبها لوالدها وحبها في كتاباته ومشاركاته وأنها لم تقصد أي إساءة أو إهانة للشعور أو المعتقد الديني لأي شخص" ( وهذا ثابت للمحكمة من خلال الإفادة الشرطية المحفوظة داخل الملف التحقيقي المبرز ن/١).
كما أن المشتكى عليها لدى الإدلاء بإفادتها الدفاعية أمام المحكمة قد أكدت على أن الغاية أو الهدف من مشاركة منشورات والدها هو إدارة نقاش بين مؤيدين ومعارضين، وقدمت من ضمن بيناتها الدفاعية (سحب لكامل المنشورات) والتي تبين وجود أشخاص قاموا بانتقاد منشورات والدها، وكانت تصل في بعضها إلى التجريح له، ومع ذلك أنها لم تقم بالتعليق على تلك الردود، ولم تبدِ أي رأي شخصي لها ولم تبين أي موقف، (المبرز د/١ المحفوظة على يمين الملف).
كما أن المحكمة وبتدقيقها لكامل المنشورات ومحتواها والتعليقات الواردة عليها، لم تجد أي تعليق للمشتكى عليها بتأييد لمضمون المنشورات أو معارضة لها، ولم تبين المشتكى عليها أي موقف ديني، والتزمت المشتكى عليها دور الحياد وإدارة النقاش فقط، الأمر الذي تستدل منه المحكمة ومن خلال ما تقدم، أن المشتكى عليها لم تكن تعلم بجميع محتوى المنشورات، وأنها عملت على مشاركة المنشور عن صفحة والدها فقط، وأن قصد المشتكى عليها من مشاركة تلك المنشورات لم يكن بهدف التأثير على جمهور المتابعين أو إهانة الشعور الديني لدى بعضهم أو تجريح معتقدهم الديني، وإنما بقصد الاعتزاز بوالدها والتعبير عن حبها بمشاركته لمنشوراته أولًا ومجرد إدارة النقاش والحوار بين مؤيد ومعارض، الأمر الذي تتوصل من خلاله المحكمة إلى إنتفاء القصد الجرمي (الركن المعنوي) لهذا الجرم بشقيه العام والخاص، مما يجعل من فعل المشتكى عليها فعلًا مجردًا لا يعاقب عليه القانون الأردني، كون أن هذا الجرم من الجرائم القصدية، والتي لا تقع إلا بتوافر القصد الجرمي بشقيه العام والخاص، مما يتعين معه إعلان عدم مسؤولية المشتكى عليها عن الجرم المسند إليها لانتفاء القصد الجرمي.
لذا وتأسيسًا على ما تقدم تقرر المحكمة ما يلي: عملًا بأحكام المادة ١٧٨ من قانون أصول المحاكمات الجزائية تقرر المحكمة إعلان عدم مسؤولية المشتكى عليها الحدث (توجان علي ناصر البخيتي) عن جرم نشر مطبوع أو مخطوط أو صورة أو رسم أو رمز من شأنه أن يؤدي إلى إهانة الشعور الديني لأشخاص آخرين وإلى إهانة معتقدهم الديني خلافًا لأحكام المادة ١/٢٧٨ من قانون العقوبات لانتفاء الركن المعنوي (القصد الجرمي) لدى المشتكى عليها مما يجعل من الأفعال التي أقدمت عليها المُشتكى عليها الحدث أفعالًا غير مجرمة وفق القانون الأردني.
حكماً وجاهيًا بحق المشتكى عليها الحدث قابلًا للاستئناف
صدر وأفهم بتاريخ ٢٨ يوليو ٢٠٢٠
باسم حضرة صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبدالله الثاني ابن الحسين حفظه الله ورعاه.