رفـقا بـأمك يـا سـيفَ (ابـنِ ذي جـدن)*
لــم تـنـضج الـشـمس إلا بـالـدم الـيـمني
ضـع سيفك الآن.. ما جدوى فتوحك إن
باضت على (ذي سماوي) دودة الوَهَن؟!
واحـــجــز لأولادك الــنـاجـيـن تـــذكــرة
فـي مـُسند الـصفحة الأولـى مـن الوطن
هـل صـبحُ "بـينونَ" إلا... يـسألونك عـن
نــافـورةِ الـضـوء فــي قــارورة الـزمـن*
مـاتـت ســواك سـلاطـين الـضـحى ذلـلا
وأنـــت كـــالأرض لــم تـبـرح ولــم تـهـن
فــابـعـثْ لــنـا مـلـكًـا نـكـسِـبْ شـفـاعـتَهُ
زلــفـى إلـــى الله لا قــربـى إلـــى وثـــن
واكــتـب إلــى هـدهـد الـمـنفى شـهـادته
إن الـقـصـيـدة ســــرداب إلـــى الــحـزن
لـــو أذن الـشـعـر مــن قِـلّـيصِ عـلـقمةٍ *
أنْ طَــهِّـرِ الـبـيتَ.. فـاسـتأجِرْهُ لـلـسكن!
يـا صـوت "غمدان" لم أحمل إليك سوى
بـيـتٍ مــن الـشـعر فــي مـنفاى يـعمرني
أحــبــه وهــــو لــــي قــبــرٌ.. وحـاضـنـةٌ
لـلـطـارئين عــلـى روحــي وفــي بـدنـي
تــلـك الـخـنـاجر فـــي صـــدري مـمـولـةٌ
أدري.. وكـانـت سـيـوفًا لابــن ذي يــزن!
عـفـريتها تـحـت سـلـطان الـغـبار ســرى
بـسـرعة الـخـوف مــن صـنعا إلـى عـدن
ولـــــو تــنـبـأ بــالأحـقـاف "عـبـهـلـة"ٌ *
لاسـتـنقذ الـنـاس مــن مـسـتقبلٍ وثـنـي
وطــــــوّعَ الــفــجــرَ مــنــديـلًا لــفـاتـنـةٍ
(مـاتـت بـصـندوق وضــاحٍ بــلا ثـمـن)*
يــا صــوت "غـمدانَ" مـا أغـمدت قـافيةً
إلا بــسـطـت لــهــا إرثًـــا مـــن الـشـجـن
هــل لـلـصلاة عـلـى أرواح مــن سـقطوا
أجــر الـسـقوط عـلـى بـاكـورة الـمـدن؟!
كــانـت أغـانـيـك تـلـقي مــن جـواهـرها
شمسًا "لنشوان".. إكليلًا إلى "الحسن" *
الآن شـبّـتً وصــارت فــي فـمـي وطـنًـا
أبـنـيـه مــن طــوب أحـزانـي ويـهـدمني
ومُـــدّعٍ قـــال: قــرنـا "حِـمْـيَـرَ" انـكـسرا
فــي آخــر الـفـرض أو فــي أول الـسـنن
قـــل أنــبـت الـشـعر فــي قـرنَـيَّ أربـعـةً
مـكـيـةً.. قــبـل هــذا الـخـامس الـمـدني
مـــا فَـــلّ "ذا الـكـف" إلا كــف حـامـله *
فـكـيـف أحــمـل وزرًا صـــار يـحـملني؟!
ريـاضـة الـمـوت شـعـرًا بـعـض تـسليتي
آمــنــت بالله.. لا أقـــوى عــلـى الـفـتـن!
مــا داهــم الـبـحر بـحـرًا أو نــوى سـفـرًا
إلا اسـتـعـار ريــاحـي وامـتـطى سـفـني
ســيـولـد الآن مــــن أشــجــار قـافـيـتي
ضـــوءٌ يـــؤذن بــاسـم الله فـــي أذنـــي
وسـوف يـتلو عـلى جوع الحصى صورًا
مـزاجـهـا الـشـعـر بــيـن الـخـبـز والـلـبـن
ثــم ابـتـسمتُ عـمـيقًا.. فـابـتسِمْ.. فـأنـا
أبـكـي عـليك.. وأبـكي مـنك يـا وطـني!
*********
هامش:
* ذو جدن الملك، وذو جدن الشاعر.. اسم لقيل من اقيال حمير. ارتبط هذا الاسم بأحد ملوك حمير بعد ذو نواس واسمه علس ذو جدن عاش في نهاية القرن الخامس الميلادي قبل الاحتلال الحبشي لليمن. تقريبا وهو جد الملك سيف بن ذي يزن لأمه. كما ارتبط الاسم أيضا بالشاعر علقمة ذو جدن المشهور ببكائيات ومراثي حمير وقد اعتمد الهمداني على شعر علقمة ذو جدن في تأريخه الإكليل كمصدر مهم للمعلومات التاريخية المتصلة بتأريخ حمير.
وكلمة جدن معجميا تعني الصوت الجميل ويقال أن ذو جدن كان حسن الصوت وهو اول من أدخل الغناء الى اليمن. وقد ورد اسمه في تاريخ الكلبي وفي أغاني الاصفهاني.
* ذو سماوي : آلهة اليمن قديما ومعناها إله السماء وهي ديانة حنيفية توحيدية.
* غمدان و بينون قصور حميرية اشتهر الشاعر ذو جدن ببكائياته عليها بعد أن هدمها الغزاة من الأحباش ومن تلاهم.
* القليص هي كعبة أبرهة التي بناها في صنعاء. ونسبتها في البيت إلى علقمة ذي جدن الشاعر يعطيها معنى بيت الشعر أو كعبة الشعر.
* عبهلة بن كعب العنسي المشهور بالأسود العنسي.. والأحقاف من آثار قوم عاد في حضرموت باليمن.
* شطر بيت للبردوني من قصيدة أبو تمام وعروبة اليوم يحكي فيه عن صنعاء.. ووضاح هو وضاح اليمن الشاعر المشهور.
* نشوان الحميري صاحب معجم شمس العلوم.. والحسن هو الحسن الهمداني صاحب كتاب الإكليل في تاريخ حمير.
* ذو الكف هو اسم سيف مشهور كان يملكه ذو جدن الملك وكان طوله إثنا عشر شبرا و مكتوب عليه بخط المسند (بئس امرؤ كنت في يده فلم ينتصر).