ترفرف الأعلام العربية كغيرها من أعلام البلدان الأخرى على مقرات البعثات الدبلوماسية في فضاءات ( بيجين ) وعلى أسطح مباني القنصليات في المدن الصينية الرئيسيّة ، هذا هو العامل المشترك الوحيد بين الجهاز الدبلوماسي العربي في الصين وأجهزة الدبلوماسية للدول الطامحة التي ترى في تجربة النهوض الصينية فرصة حقيقية للاستلهام ونقل ما يمكن نقله .
في حين تنظر كل الدول الراغبة في اللحاق بالعصر إلى طموح الصين المشروع وسياستها الانفتاحية الحالية كأمر لا يمكن تفويته ما زالت كل بلداننا العربية - باستثناء الكويت - لم تصح على الواقع الجديد .
يأتي الدبلوماسي العربي إلى هنا وهم يطلقون عليه ممثلاً للبلد فيظن أن تمثيل البلد هنا يعني الاعتناء بربطة عنقه جيداً والابتسام بأسنان ناصعة لدى مصافحته ممثل وزارة الخارجية .
في أفضل حالاتنا الدبلوماسية لم نغادر بعد واقع القطب الواحد فيما الحقيقة أن ميزان عوامل التأثير لم يعد ذاته ميزان السبعينات ولا الثمانينات ولا حتى ميزان التسعينات ،
حالياً العامل الاقتصادي هو اللاعب الأساسي الذي يتبعه بقية الفريق ، والصين تمكنت من جعل نفسها القطب الاقتصادي الأهم لذا يجب أن تتعامل دبلوماسيتنا العربية على هذا الأساس .
وبالتأمل جيداً في أسباب فشل الحراك الدبلوماسي العربي في الصين يتبين أن هناك ثلاثة عوامل رئيسية جعلت من الفرق الدبلوماسية العربية في الصين مجرد بعثات عادية ليس لها أي دور تأثيري
العامل الأول : الثقافة الجاسوسية التي تنتهجها البلدان العربية في تبادلها الدبلوماسي فيما بينها مما يرسخ في ذهن رجل الدبلوماسية أن هذا العمل هو أساس مهمته فيجد نفسه عاجزاً عن القيام بذلك عند انتقاله خارج حدود الجغرافيا العربية وخاصة في ظل التوزيع الدبلوماسي الكارثي الغير معتمد على أية دراسات أو مؤهلات سوى مؤهل القرابة وتقاسم الكعكة .
العامل الثاني : عدم مقدرة الأجهزة الدبلوماسية على التعامل مع التكنولوجيا الحديثة ومواكبة التطور التقني لهذا البلد ، حيث نجد أغلب أعضاء الفرق الدبلوماسية ما زال يعتمد الوسائل الدبلوماسية ذاتها منذ عقود غير مدركاً ولا مواكباً السرعة الهائلة التي تغير العالم المحيط به .
العامل الثالث : غياب الرؤية العربية لنقل ما يمكن نقله من تجربة النهوض الصينية ، حيث ما زالت كل الحكومات العربية خارج الواقع الجديد الذي يفرض الصين قطباً جديداً وشريكاً يمكن الوثوق به . وفِي كل حالات العوامل الثلاثة يمكننا تجاوزها إذا ما تم اختيار أعضاء الرسالة الدبلوماسية وفق الكفاءة لا المحاباة ، وفق إمكانيات الفرد لا وفق هوى المسؤول .
منذ أكثر من 4 سنوات وأنا أعيش في الصين وقد رأيت كيف يستطيع بسهولة فرد أو مجموعة أفراد أن يجعلوا دورهم يتجاوز دور بعض السفارات العربية في التواصل مع الصينيين أفراداً ومؤسسات لا لشيء إلا لعجز هذه البعثات عن القيام بأبسط مهام التمثيل الدبلوماسي الحقيقي .
كثير من الدول استطاعت بمساعدة الصين نقل التجربة الصينية في مجالات التعليم أو النقل أو البريد أو.....إلا نحن ما زال تمثيلنا الدبلوماسي مقتصراً على تهنئة الصينيين بعيدهم الوطني .