شكلت أزمة الغاز المنزلي كارثة حقيقية بسبب أثارها السلبية التي أدت إلى ارتفاع الطلب عليه مع اختفاءه المفاجئ من السوق، حيث يعيش الكثير من أبناء الشعب اليمني وخصوصاً المحافظات الواقعة تحت سيطرة المليشيات الانقلابية انعداماً للغاز مع غياب تام للمشتقات النفطية وارتفاع لأسعارها بصورة جنونية مما يثقل كاهل المواطن ويجعله عرضة للاستغلال من قبل البائعين في السوق السوداء، ويسيطر عليها مجموعة من التجار المتنفذين التابعين لسلطة الانقلابين بالعاصمة صنعاء، حيث تسعى الشركة اليمنية للغاز التابعة لصنعاء إلى توفير تلك الاحتياجات عن طريق تجار يتبعونهم ويضخون مليارات الريالات للجماعة الحوثية بصنعاء.
ويمكن حصر هؤلاء التجار بعدد أصابع اليد الواحدة - فقط وعلى رأسهم أولاد المفزر وهم( علي- بشير) وغيرهم من شركاءهم مثل أمين الوادعي وبن مبارك، وتسيطر هذه الأسماء على السوق التجارية بالنسبة للغاز والمشتقات النفطية بصورة ملحوظة جداً، وفي هذا التقرير سنتناول القضية وأبعادها ونعرض من خلاله النزاعات القبلية والشخصية بين أفراد المجتمع، وما يترتب على ذلك من تفكك وضياع للحقوق، وهدر للأموال، وتنشأ الكثير من الخلافات بين الناس وبالذات من ينتمون إلى نفس القرية أو المدينة أو بين قبيلة وقبيلة أخرى نتيجة لعملية البحث وراء الحطب.
أزمة خانقة
بات هم المواطن الوحيد وشغله الشاغل توفير ما يحتاجه من الغاز من أجل طهو الطعام ضماناً لاستمرار حياته، فمن المتعارف عليه أن معظم سكان المدن يسكنون في شقق مغلقة لا يمكن فيها استخدام الحطب نهائيًا، حيث بلغ ارتفاع سعره بنسبة 133 %، بعد أن وصل ثمنه إلى 7000ريال يمني بالسوق السوداء أي ما يقابل (14 دولار)، مقابل 3000 ريال وهو السعر الرسمي، ورغم ذلك فهو لا يتواجد في كثير من الأوقات، وتعتبر هذه الزيادة مأهولة مقارنة بالزيادة خلال أربع سنوات - منذ دخول الحوثيين العاصمة صنعاء، فقد بلغت نسبة الزيادة في أسعار الغاز المنزلي خلال هذه السنوات وصولاً إلى نهاية 2017 (107%) بعد ارتفاعات مختلفة منذ 2014، ويوضح الشكل البياني نسبة الزيادة في كل عام،بداية 2014 حيث كان سعره1200 وصولاً إلى3000ريال يمني في نهاية 2017.
بالرغم أن اليمن تعتبر من أهم الدول المصدرة للغاز، حيث بدأ اليمن إنتاج وتصدير الغاز الطبيعي المسال عام 2009 بطاقة إنتاجية 6.7 ملايين طن متري سنوياً، وأدى توقف إنتاجه في محطة بلحاف منذ ثلاثة أعوام بسبب الوضع الأمني المضطرب هناك، إلى انخفاض صادرات النفط إلى 1.35 مليون طن متري عام 2015 نتيجة لتدهور الأوضاع الأمنية ومغادرة الشركات المنتجة للغاز.
االعيب الأسود
أدت أزمة انعدام الغاز المنزلي وغيابه بصورة كبيرة وأسعاره الباهظة،مما يجعل المواطن يبحث وراء وسائل بديلة أخرى لتستمر حياته وتسير رغم منغصاتها، عودة الكثير من المواطنين إلى البحث وراء مناطقهم الزراعية أو أراضيهم المهجورة التي تركوها على أثر انتقالهم من الريف إلى المدن التي كانت تتوفر مقومات المعيشة فيها مع مركزية الدولة، هذه العودة إلى الريف تسببت في الخلافات بين معظم الأسر بسبب مساحات زراعية في أماكن متقاربة.
معلومات خاصة حصل عليها "موقع رأي اليمن" خلال زيارته لمجموعة من المحاكم في كلاً من محافظة حجة والمحويت والحديدة وبالتواصل مع بعض المحامين، تبين أن معظم القضايا التي تصل إلى المحاكم كان نتيجة لخلافات بين الأقارب أو مالكي بعض الأراضي المتجاورة، ووصل الأمر تعرض الكثير من النساء لمضايقات لفظية ونزع وحرق أغطية رؤوسهن من قبل الأطراف المتنازعة، والذي يمثل عيباً أسود وتجاوزاً للعادات والتقاليد اليمنية في صورة تفتح الباب أمام اندلاع حرب قبلية تأكل الأخضر واليابس.
و في المعلومات التي حصل عليها الموقع من مواطنين من مديرية مفتاح بمحافظة حجة، وسبب الرئيس في الكثير من هذه الخلافات يعود للأشجار التي يتم استخدامها للتحطيب بدلاً عن الغاز، بل ووصل الأمر إلى مقتل أربعة مواطنين في أحدى محطات الغاز بمنطقة مذبح بالعاصمة صنعاء، ويعود السبب إلى عدم التزام المسلح الحوثي حسب الطوابير المتواجدة بالمحطة وأراد تجاوزها، في صورة استفزت المواطنين مما أدى إلى رفضهم هذا التصرف وبسبب الخلاف تطورت الأحداث حتى وصل العراك بالأيادي ليفتح المسلح الحوثي النار على المتواجدين ويقتل أربعة أفراد ويصيب آخرين، وتعتبر هذه الخلافات أمر مستشري منذ اندلاع أزمة الغاز المنزلي.
ثلاثة ألآف محطة غاز
تتحدث مصادر رسمية بوزارة النفط التابعة للانقلابين بصنعاء عن وجود أكثر من ثلاثة ألف محطة غاز منتشرة في خمس محافظات التي تقع تحت سيطرتها، وفي اتصال هاتفي بالعمليات التابعة لوزارة النفط اليمنية بصنعاء، وأوضحت أن عمليات توزيع الغاز تتم من قبل التجار الموزعين كون الشركة تستلم نسبتها من الأرباح في حال وصول كمية الغاز إلى المحافظات، وتتم عملية توزيع الغاز على المحطات من قبل التجار أنفسهم.
وحسب التقرير الواصل إلينا تجاوزت عدد المحطات 60 محطة في صنعاء– أي وسط المدينة فقط- عدا ضواحيها، وفي وفي سياق متصل يشكو أبناء هذه المحافظات من أنهم يظلون في طوابير قد تصل إلى خمسة أيام، وفي بعضها لا يتم تعبئة سوى 10 لتر فقط لكل اسطوانة غاز.
وشكى أحد المواطنين بأنه بعد أن وصل ترتيبه إلى الرقم 6 تم إغلاق محطة الغاز بذريعة انتهاء الدوام، في حين أن وقت التعبئة قد بدأ 12 صباحاً أي منتصف الليل واستمر حتى الواحدة والنصف فقط، وفي اليوم الرابع من مكوثه في المحطة وأثناء استئناف التعبئة وصل ترتيبه إلى 66 أي أنه تم إضافة60 دبة غاز تابعة لأصحاب السوق السوداء المحسوبين عليهم مخالفة لتلك الطوابير، في صورة توضح بشاعة وظلم ما يتعرض له اليمنيون من قهر وظلم طوال استمرار هذه الأزمات.
السوق السوداء
صدر قرار التعويم قبل عامين وتسعة أشهر، وينص على بيع الغاز والمشتقات النفطية بالأسعار العالمية،وتكشف الأرقام حجم الزيادات التي فرضها التجار وسماسرة الغاز، والتي تمثل أزمة مفتعلة حيث يقومون بإغلاق المحطات وجعل الناس يقفون في طوابير طويلة جداً، تصل مدة أقل واحد منهم في الانتظار تصل إلى ثلاثة أيام، ناهيك عن وصول اتصالات تؤكد بأن معظم المحطات لم تعمل نهائياً، مثل محطة الشرعبي والزريقي بالحديدة ومحطة شفر بعبس ومحطة سلبة بحجة، وتعتبر هذه عينات فقط من بلاغات وصلت من أناس تفيد بأن معظم المحطات تعمل على افتعال مشاكل بين الطوابير من أجل إغلاق المحطة وبيع كميتها لسوق السوداء.
ويعاني الكثير من مرتادي محطات بيع الغاز ال60 الموزعة بمدينة صنعاء فقط من إغلاقها في معظم أوقات الدوام الرسمي، تحت يافطة لا يوجد غاز بالرغم من أنه في حال استئناف التعبئة من جديد يتم وبدون وجود أي شاحنة لتفريغ حمولتها في المحطة، وخلال الزيارة التي قام بها معد التقرير إلى أكثر من محطة غاز في صنعاء مع إجراء عمليات تواصل مع أشخاص من محافظتي الحديدة وحجة وبعد باستطلاع وتواصل دقيق وموثق، أكدوا جميعاً وبنسبة 90% أن مالكي المحطات غير ملتزمين بأي قرارات أو إجراءات وحتى لا يتمتعون بأدنى أنواع القيم الإنسانية خلال تعاملهم مع المواطنين.
ورفض رجل الأعمال بشير المفزر التعليق على الأسئلة التي وجهت له من قبل معد التقرير، في إشارة تهديد قال بالحرف الواحد، إذا لم تتركونا يا صحفيين بيجي يومكم ونوريكم عملكم، ورغم محاولة الاتصال أكثر من مرة إلا أنه لم يرد رغم القيام بأكثر من محاولة خلال فترة إعداد التقرير.
الحطب البديل الخطر
يعتبر انعدام الغاز أمر مقلق جداً للكثير من المواطنين، كونه المادة الأساسية التي يعتمد عليها الكثير، ولكن مع انعدامه يلجأ الكثير من الناس من أصحاب البيوت والأفران والمطاعم إلى البحث وراء الحطب كبديل أساسي، ويعملون على قطع عشرات بل مئات الأشجار التي استغرق نموها عشرات السنوات وقاومت كل أنواع الجفاف والتدهور.
وفي تصريح صحفي للمهندس الزراعي فؤاد مصلح تحدث قائلاً: يجب على الدولة توفير الغاز المنزلي بأي وسيلة كانت، لأن هناك عملية تحطيب جائر تهدد الغطاء النباتي بشكل خطير جداً وتزيد من ظاهرة التصحر وانجراف التربة مع ارتفاع درجة الحرارة، وتغير المناخ، وتهديد البيئة الخاصة بعيش الكائنات الحية، بل أن بعض المواطنين يعملون على قطع أشجار الشوارع المنتشرة على طول الطريق، مما يفقد الشوارع العامة جمالها وحسن منظرها، ويزيد من ارتفاع حالة التلوث في المدن، ورغم أن الحطب يمثل مادة بديلة إلا أنه يعرض الكثير من الأسر للخطر، ويسبب حالات من الاختناق وصل بعضها إلى الوفاة خصوصاً في المدن الحارة بمحافظة الحديدة.
أزمة مفتعلة
من ناحية أخرى تحدث مصدر تابع لشركة النفط بمأرب في تصريح لموقع " رأي اليمن" بأن 60% من كمية الغاز المستخرجة يتم إرسالها إلى المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحوثي، ويتم توزيعها من قبل الحوثيين في السوق السوداء والمحطات التابعة لهم.
وفي تصريح للصحفي المهتم بالشؤون الاقتصادية محمد الجماعي تحدث " لرأي اليمن" حول أزمة الغاز المنزلي قائلاً: الحوثيون يبحثون أساساً عن أي عذر لتعويم كل التعاملات المالية سواء المتعلقة بالخدمات الأساسية الضرورية كالنفط والغاز أو بالعملة الوطنية، وحول موضوع ما يتم تصديره من غاز للعاصمة صنعاء، تحدث قائلاً: بالفعل الحكومة تمنح الحوثيين 60% من الغاز وترسله لمناطق سيطرة الحوثيين، وذلك لأن معظم السكان يتركزون فيتلك المحافظات، وهو واجب الحكومة حتى لو واجه الحوثيون ذلك بالنكران والتمرد، مع القيام بأعمال وإجراءات تحد من تدفق الغاز إلى منازل المواطنين كاحتياج مٌلح في كل الأوقات وليس في أوقات الحرب فقط، والمتابع لأعمال الجماعات المسلحة أو الذين لا يحظون بأي اعتراف دولي في عدداً من المناطق العربية والإسلامية يعرف جيداً وبكل سهولة أن الأسواق السوداء هي بورصة هامة لجني الأرباح وتكديس الثروات على حساب أقوات الشعوب واحتياجاتهم وأمنهم الغذائي والقومي.
عودة الأزمة
وأمام الأمور التي عجلت بحل أمة الغاز في صنعاء عادت من جديد حالة السوق السوداء وتم رصد أكثر من 35 محل لبيع الغاز بالسوق السواء وبدون أي رادع يذكر، ناهيك عن حالة من الانزعاج وذلك بسبب التعبئة الناقصة حيث تم أخذ عينة من دبات الغاز وتم قياسها وجد انها لا تحتوي حتى على 15 لتر مقابل 20 لتر.
أمام تواصل انعدام الغاز المنزلي من السوق بصورة شبه نهائية وتوفره في السوق السوداء والذي يمثل تهديداً حقيقياً على الأهالي والمحافظات الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، لنشوب العديد من الخلافات مع حصول بعض الوفيات مما يهدد السلم المجتمعي وينبىء بكارثة قبليه واجتماعيه، إضافة إلى الارتفاع الجنوني في أسعار المواد الاستهلاكية وتدهور العملة المحلية أمام الدولار والذي وصل إلى 40% بعد أن تدهور سعر الصرف من 480 ريال إلى 550 ريال يمني مقابل الدولار الواحد، وفي ظل الحرب القائمة يجب إعادة النظر في توفير الاحتياجات الضرورية للمواطن اليمني، بعيداً عن واقع الحرب وحفاظاً على مستقبل الأجيال من الانهيار.