من جديد عادت تصريحات الحكومة اليمنية ضد الدور الإماراتي في اليمن إلى الواجهة بعد هدوء لأشهر عدة بين الطرفين، لكن ما يميزها هذه المرة أن التصريحات جاءت عبر قناة تلفزيونية يمنية تبث من الرياض، ومن مسؤول حكومي هو محافظ المحويت صالح سميع الذي عينه الرئيس عبد ربه منصور هادي.
وفي حديثه القوي والجريء، استخدم سميع أوصافا قوية ضد أبو ظبي لم تستخدم من قبل مسؤول يمني آخر من أولئك الدين كشفوا سوء العلاقة بين الحكومة اليمنية والإمارات، حيث أطلق عليها أوصاف اللئيمة والغبية والرعناء والمصابة بجنون العظمة.
وقال محافظ المحويت -الذي كان يتحدث من الرياض- إن على الرئيس اليمني الاستغناء عن خدمات الإمارات إذا قررت الاستمرار في غيها، مضيفا أن هادي طلب دعم السعودية ولم يطلب دعم أي دولة أخرى، وواصفا ما قال إنه طرف في التحالف بأنه أرعن ويتصرف تصرفات غبية، مؤكدا أن القضية وصلت لمرحلة كسر العظم.
أما الأمر الآخر فتأكيده في اللقاء أكثر من مرة أن السعودية هي من تضغط على الرئيس اليمني من أجل تأجيل أي خطوة ضد الإمارات، بحجة أنها ما زالت حتى اللحظة تستفيد من وجود وحضور الإمارات كحليف في اليمن.
ولم يخف الرجل تبرم الحكومة والرئيس اليمني من الضغط السعودي لحماية أبو ظبي من أي إجراءات ينوي هادي القيام بها لإنهاء تلك العلاقة بشكل قانوني وإخراج الإماراتيين من اليمن، ملوحا بورقة مجلس الأمن الدولي والأطر الدولية في حال قرر هادي ذلك.
وبغض النظر عن كون الرجل ليس من الصف الأول في الحكومة اليمنية إلا أنه محافظ عينه الرئيس اليمني لمحافظة المحويت ووزير سابق للكهرباء بحكومة هادي، بالإضافة إلى أنه مقيم بشكل دائم في الرياض.
وهذا ما يطرح أسئلة عدة مهمة بشأن خروج مسؤول يمني عرف بعلاقته الطيبة مع هادي والحكومة اليمنية والمسؤولين السعوديين المكلفين بالملف اليمني.
رسالة سعودية أم انقسام؟
هناك من يتحدث عن نفاد صبر سعودي من تصرفات حليفتها الأولى في اليمن أبو ظبي عقب سيطرة الأخيرة على الموانئ في الجنوب والغرب وإنشائها عشرات الآلاف من المليشيات في عدن وأبين وشبوة وحضرموت وجنوب البلاد، وانفرادها بملف الساحل الغربي، وإنشاء قوة عسكرية كبيرة لطارق محمد عبد الله صالح ابن أخ الرئيس الراحل علي عبد الله صالح ودعمها بشكل غير محدود، والاستمرار في دعم وتعزيز قوة المجلس الانتقالي الانفصالي الجنوبي عسكريا وسياسيا.
وكذلك منعها الحكومة من ممارسة عملها، ومنع الرئيس اليمني من العودة إلى عدن، وهو ما يحمل السعودية أعباء إضافية على أعبائها الاقتصادية والعسكرية، سواء داخل اليمن أو على حدودها التي تشهد حربا شرسة مع الحوثيين يقتل فيها يوميا العديد من الجنود السعوديين.
كما أن هناك من ينظر إلى خروج مثل هذه التصريحات القوية من قبل مسؤول حكومي يمني من داخل الرياض إلى أنها تعبير واضح عن انقسام داخل مؤسسة الحكم السعودي بشأن تحالف الرياض وأبو ظبي المستمر، سواء في ملف اليمن أو في ملفات أخرى.
وقد يبدو ذلك في شكل صراع صامت غير معلن بين الدولتين، خاصة في الملف اليمني، لكن نظرة عميقة في المشهد قد توحي بذلك.
فعدد من الكتاب السعوديين الموالين للحكومة عبروا عن ضيقهم عبر وسائل الإعلام من دعم أبو ظبي للمجلس الانتقالي الانفصالي الجنوبي معتبرين تلك الخطوة تهديدا للشرعية، وشهد هذا سجالا واسعا قبل شهرين، خاصة بعد تناول قناة "العربية" السعودية دور المجلس الانتقالي بانتقاص، ملمحة إلى أن وجوده يخدم الحوثيين.
وكانت صحيفة غارديان البريطانية قالت إن ثمة مؤشرات متزايدة على خلاف محتمل بين ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، موضحة أن الخلاف برز أثناء زيارة الملك مؤخرا إلى مصر للمشاركة في القمة العربية الأوروبية، والقرارات التي اتخذها ولي العهد أثناء غياب والده.
وهذا قد يؤكد حدوث انقسام داخل مؤسسة الحكم السعودي، سواء ما يتعلق بشؤون الحكم أو التحالفات أو إدارة الملف اليمني الذي يقبض عليه محمد بن سلمان.
سباق على اليمن وتململ سعودي
في جانب آخر، يمكن تأكيد حقيقة كهذه إذا ما تم النظر إلى السباق المحموم بين الدولتين داخل اليمن، فالسعودية وبعد غياب طويل تفضل الحضور العسكري لقواتها بدلا عن أبو ظبي، وهذا ما فعلته في سقطرى حين قامت بالاستعاضة عن قواتها بالقوات الإماراتية العام الماضي، بعد الخلاف بين أبو ظبي والحكومة اليمنية.
وفي الوقت نفسه، أنزلت الرياض قواتها العسكرية وعتادها وطائراتها في محافظة المهرة، مفضلة ذلك الوجود الذي حملها الكثير من النقد من قبل أبناء المهرة واليمنيين بدلا من أبو ظبي، في حين تسعى حاليا للحضور في القسم الصحراوي من حضرموت، وبالتحديد في سيئون، حيث المنطقة العسكرية الأولى التي تخضع لسلطة الحكومة اليمنية، وهذا الحضور يبدو مرادفا لحضور القوات الإماراتية في ساحل حضرموت، حيث النخبة الحضرمية التي أنشأتها أبو ظبي.
وتقول مصادر خاصة إن أبو ظبي تدخلت مؤخرا لمنع انعقاد الائتلاف الوطني الجنوبي الداعم للرئيس هادي في القاهرة بعد إجراء ترتيباته وموافقة السلطات الرسمية عليه.
وتضيف المصادر أن اللجنة المشرفة على الائتلاف الجنوبي المناهض للمجلس الانتقالي التابع لأبو ظبي أطلعت المسؤولين في اللجنة الخاصة السعودية على ذلك قبل القيام بعقد اللقاء والترتيب له، إلا أن أبو ظبي اعترضت لدى الخارجية المصرية وأوقفت عقد اللقاء بالفعل.
ويرى مراقبون أن هناك حركة داخل الدولة العميقة في السعودية تتململ من المشهد الحالي، ومن إدارة ولي العهد السعودي التي منحت ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد كامل الصلاحية للتصرف في الملفات السعودية، خاصة ملف اليمن، وأن ذلك يعبر عنه بشكل أو بآخر داخل الأسرة الحاكمة مع تلقي الرياض العديد من الضربات القوية وتشويه سمعتها، سواء تعلق ذلك بملف الصحفي جمال خاشقجي أو الملف اليمني الذي يلاحق الرياض بانتهاكاته في العالم أجمع، باعتبار أن الرياض هي قائدة تحالف السعودية والإمارات.
ويرى المنتقدون أن أبو ظبي تكسب تعزيز نفوذها في اليمن عبر سيطرتها على الجزر والموانئ وعبر أذرعها العسكرية والأمنية المسيطرة على معظم أجزاء الجنوب وساحل اليمن الغربي، في حين تدفع الرياض الكثير سواء في حربها المستمرة والمباشرة على الحدود، والتي يستمر نزيفها بشكل يومي من خلال ارتفاع أعداد القتلى من جنودها، أو التكلفة الاقتصادية التي تقدرها مراكز الأبحاث بمئات المليارات مع دخول الحرب عامها الخامس.
والسؤال الأهم هنا هو عن المأزق الذي وضعت الرياض فيه نفسها وحيدة بمنح أبو ظبي شيكا على بياض للتصرف في اليمن، مقابل تحملها الأعباء الإنسانية والسياسية والعسكرية لهيمنة أبو ظبي وتصرفاتها في البلاد.
فرصة جديدة للحوثيين
ومن خلال نظرة على التصريحات الحكومية اليمنية ضد سياسات أبو ظبي في اليمن -خاصة تصريح محافظ المحويت الأخير- يمكن القول إنها جاءت إثر غضب شعبي متنام يحمل الحكومة اليمنية مسؤولية سقوط منطقة حجور في حجة غرب اليمن بيد الحوثيين، وانتقادات كبيرة لتحالف السعودية والإمارات لتخاذله في تقديم دعم لمقاتلي حجور.
وسبق هذا الغضب حملة شعبية في مواقع التواصل الاجتماعي ضد سياسة مليشيات الإمارات في عدن وانتهاكاتها في مناطق الجنوب، وكذلك تزايد الغضب الشعبي في المهرة إثر التمدد السعودي في المحافظة، مما ينذر بتطور الصراع هناك إلى اشتباكات.
كل تلك الأحداث تدفع اليمنيين للسؤال عن الرئيس اليمني وحكومته التي تقيم في الرياض، وتحملها مسؤولية ما يحدث من توسع لأبو ظبي والرياض في مناطق اليمن، ومن انتهاكات مستمرة في التراب اليمني لتحالف السعودية والإمارات بعد تخلي الحكومة عن دورها الفعلي وعجزها عن ممارسة دورها داخل اليمن.
وقد تكون هذه اللحظة الصعبة بالنسبة للحكومة اليمنية عقب تحول التحالف الذي جاء تحت غطاء دعم الشرعية إلى كسرها فرصة الحوثيين، أو سلطة الأمر الواقع كما تصفها الدوائر الغربية حاليا، إذ تمنحهم وضعا جديدا في التحول من كونهم منقلبين على السلطة الشرعية إلى كونهم سلطة واقع تدعي الدفاع عن اليمن ضد غزاة ومحتلين طامعين فيها.
والأسوأ -بحسب مراقبين- بالنسبة لمن انتظروا غوث التحالف السعودي الإماراتي من اليمنيين إفراغ سلطة الرئيس هادي من محتواها، ومنح الحوثيين مشروعية جديدة يقاتلون من أجلها، وهي قتال السعودية والإمارات بمشروعية جديدة وهي السيادة.