شهدت محافظة الجوف (شمال شرق اليمن) عودة المحاكم للعمل، في تطور لافت بعد غياب يزيد عن 12 عاما، وسط تحديات كثيرة.
وبدأت محكمة الجوف الابتدائية (محكمة من الدرجة الأولى) مزاولة مهامها في الفصل في دعاوى الناس، بعدما عانت هذه المحافظة الأكبر مساحة من بين محافظات الشمال الويلات جراء غياب الأجهزة القضائية، وتصدر الثأر والفوضى واجهة المشهد فيها.
وكان مجلس القضاء الأعلى ( أعلى هيئة قضائية باليمن) قرر تفعيل محكمة الجوف بتعيين رئيس لها في العام 2018.
وتشكل القبيلة حضورا كبيرا في هذه المحافظة الواقعة على بعد 143 كلم شمال شرق العاصمة صنعاء، وتتصل المحافظة بمحافظة صعدة (معقل الحوثي) من الشمال، وبصحراء الربع الخالي التي تشترك معها السعودية من جهة الشرق، ومن الجنوب تحدها أجزاء من محافظتي مأرب وصنعاء، ومحافظتي عمران وصعدة أيضا من الغرب.
"ويلات وفوضى"
يقول الصحفي اليمني محمد عياش، إن جهود المحكمة، رغم أنها الوحيدة في الجوف، ساهمت في تخفيف نسبة الجريمة والثارات التي كانت منتشرة في المحافظة.
وأضاف في حديث لـ"عربي21" أن أبناء الجوف تجرعوا ويلات كبيرة، بسبب غياب القضاء، لكنهم اليوم، بدأوا بتغيير الصورة القديمة التي رسمت عنهم خلال سنوات وعقود طويلة، بأن مدينتهم كانت مزرعة مفتوحة للثارات والاقتتال الأهلي.
وأشار إلى أن الجوف كانت المحافظة الوحيدة التي لا يوجد فيها محكمة تُمارس مهامها.
إحصائية
ومنذ بدأت محكمة الجوف في العمل، فقد تمكنت من البت في عدد كبير من القضايا، وخلال فترة قياسية، حيث تشير إحصائية وصلت إلى "عربي21" أن ما تم إنجازه خلال عام نحو 300 قضية ما بين مدنية وجنائية، بينما تم توثيق 1610 حالة، و631 عملية إثبات، و127 عقد نقل ملكية.
"حلحلة مشاكل عدة"
من جهته، أوضح رئيس محكمة الجوف الابتدائية القاضي علي المخرفي، أن ممارسة المحكمة لمهامها في مدينة الحزم، عاصمة المحافظة، كان له أثر طيب، بعد غياب دام أكثر من 15 عاما لحضور القضاء.
وقال في حديث لـ"عربي21" إن المحكمة قامت بحلحلة الكثير من المشاكل، وساهمت بحضورها في توطيد وجود الدولة بهيئاتها، وهو ما جذب الأهالي على القضاء لحل مشاكلهم وقضاياهم.
وحسب القاضي المخرفي، فإن حضور القضاء عبر المحكمة الابتدائية، ساهم في انخفاض معدلات الجريمة في المحافظة، جراء لجوء المواطن لأخذ حقه بنفسه، أو يستعين بقبيلته، وهو ما رسم صورة ذهنية قاتمة عن المجتمع هنا.
وأضاف أن هناك إقبالا واسعا من قبل السكان المحليين للتقاضي أمام المحكمة للفصل في خصوماتهم. مشيرا إلى أن مواطنين كثرا، سارعوا في سحب قضاياهم من أيدي قادة العشائر واللجوء إلى المحكمة للبت فيها.
وذكر رئيس محكمة الجوف أن المحكمة استقبلت قضايا متنوعة، مدنية، وتجارية، وشخصية، وجنائية، وإثبات؛ بالإضافة إلى أعمال توثيق عقود وتصرفات شرعية. لافتا إلى أنه تم الفصل في العديد من القضايا بينها جرائم قتل وقسام شرعي وطلاق وفسخ، فضلا عن الفصل في قضايا معقدة مضى عليها ما يزيد على 40 عاما.
ونوه القاضي المخرفي إلى عدد من الإشكالات التي تواجه عمل المحكمة، أهمها "عدم وجود مقر للمحكمة والنيابة صالح لممارسة العمل منه، الذي يجري الآن في مقر مؤقت".
"حمل ثقيل"
وفي هذا السياق، أكد مدير شرطة مدينة الحزم، مركز محافظة الجوف، النقيب حزام شيحاط أن وجود القضاء كانت ضرورة، ذلك أن كثيرا من القضايا، خاصة منذ بداية 2016، شكلت حملا ثقيلا على الأجهزة الأمنية.
وقال: كنا نواجه صعوبات كثيرة، نظرا لكثرة القضايا خصوصا المدنية.
وأضاف في حديث لـ"عربي21" أن حضور القضاء عبر المحكمة الابتدائية، خفف كثيرا من العبء علينا، وأزال العوائق، بإحالة القضايا إليها، للفصل فيها.
ووفق النقيب شيحاط، فإن المزاج العام لدى السكان، يشير إلى أن هناك ارتياحا كبيرا لعودة القضاء للقيام بدوره، كون كثير من القضايا في السابق، كانت تحال إلى المشايخ لحلها.
ولفت مدير شرطة الحزم إلى أن قوات الشرطة تؤدي دورا مهما في إسناد القضاء ودعمه، وتقوم بتنفيذ كل الأوامر القضائية دون تأخير.
ويتفق الصحفي عياش مع النقيب شيحاط حول أن المحكمة الابتدائية ساهمت في خلق واقع جديد فيما يتعلق بملف العقارات والاستثمارات، حيث زاد الإقبال على شراء العقارات، وارتفاع أسعارها، بعدما كانت تعقيدات عدة تحول عند ذلك، ومن بينها الأحكام القبلية القائمة على الشفعة.