«غير آمنة أكثر من أي وقت مضى»، هكذا وصفت منظمة «صحفيات بلا قيود» مقدار السوء الذي وصلت إليه أوضاع الصحافيين اليمنيين في ظل ممارسات أطراف النزاع القمعية في البلد.استنتاج لم يأت من فراغ بل من إحصائيات مرعبة رصدتها عدة منظمات صحافية وحقوقية.
منذ اندلاع الحرب العام 2015، يعيش الصحافيون اليمنيون واقعاً مريراً، فالصحافي إما مقتولاً أو ملاحقاً، أو يتضور جوعاً. لكن العام المنصرم كان الأكثر دموية وفتكاً بالصحافيين في اليمن، إذ بحسب مراقبين، وجد الصحافيون أنفسهم عالقين بين نيران وقذائف مختلف أطراف النزاع.
عام دموي صادم
مطلع العام الجاري 2019 وقبل أسبوع واحد تحديداً، لم يتوقع الصحافي نبيل الجنيد وعدد من زملاء مهنته، الذين ذهبوا لتوثيق حفل تخرج دفعة من القوات الموالية لـ«الشرعية» في «قاعدة العند» أنهم سيكونون الضحية رقم واحد، والحدث الذي ستتناقله وسائل الإعلام المختلفة.
الكاتب والصحافي، صالح الضالعي، أكد في حديث لـ«العربي»، أن «الصحافي في اليمن بات رهين الخوف والقتل والسحل من قبل مليشيات خارجة عن القانون»، مضيفاً «حتى اللحظة تم استهداف عشرات الصحافيين، منهم من قتل ومنهم من سجن ومنهم من جرح، وآخر استهداف كان في حادثة العند، حيث تعرض الصحافي نبيل الجنيد لإصابات بليغة».
وأوضح أن «الصحافيين اليمنيين استقبلوا اليوم عاماً دموياً وصادماً».
وأشار الضالعي إلى أن «مهنة المتاعب أصبحت مهنة خطرة بعدما كانت متعبة، وبات العمل الصحافي في ظل هذه الأوضاع الملتهبة مجازفة كبيرة».
انتهاكات مستمرة
رئيس «مركز الحقوق وحماية الحريات الصحافية» محمد صادق العديني، قال في حديث إلى «العربي»، إن «اليمن لم تعد بيئة آمنة لممارسة مهنة الصحافة والاشتغال بالإعلام وخاصة المستقل»، مؤكداً أنه «لم يعد هناك حرية صحافة ولا عمل صحافي، لا في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثي ولا في مناطق سيطرة التحالف تحت يافطة الشرعية».
وأشار إلى أن «اليمن أضحى منطقة منكوبة للحقوق والحريات والحياة إجمالاً»، لافتاً إلى أن «الصحافيين تعرضوا لواحدة من أكبر وأفظع الجرائم في التاريخ، على أيدي مجموعة من اللصوص والسفلة، الذين سرقوا منا وطناً بأكمله، واغتالوا مستقبله، بعدما دمروا حاضره».
ويؤكد الزميل عبد الله الدهمشي، في حديث إلى «العربي»، أن «الإعلام اليوم جبهات حرب مستعرة بين أطراف الأزمة اليمنية المتزايدة حدة وشدة وهو رهين التمويل الخارجي والتجاذبات الإقليمية والدولية»، موضحاً أن «الصحافيين اليوم هم ضحايا الصراع ووقوده يدفعون أغلى الأثمان ويسقطون قرابين في محراب حرية التعبير».
وحول مستقبل مهنة المتاعب يرى الكاتب والصحافي، عبد الله الدهمشي، أن «مؤشرات المستقبل في عصر الفضاء المعلوماتي تَعِد صحفيي اليمن بمستقبل يحرس الحرية والحقوق، ويعيد إليهم وطنيتهم المسلوبة بالنزعات المناطقية والطائفية وسطوة الميليشيات المسلحة في اليمن».
مقصلة الحجب
وفي الوقت الذي ما يزال العشرات من الصحافيين في المعتقلات يتعرضون لانتهاكات جسيمة وصارخة، والبعض تمت تصفيته بطرق وحشية مخالفة للأعراف والقوانين الدولية، فإن الكثير من الوسائل الإعلامية لا تزال تحت مقصلة الحجب والمصادرة.
الناشط الحقوقي أحمد عفيف، أوضح في حديث لـ«العربي»، أن «واقع الصحافيين اليوم محفوف بالمخاطر، فهم يتعرضون للاحتجاز والتهديد والاختطاف والإخفاء»، مؤكداً أنه «تم رصد العديد من حالات القتل القصدي لعدد من الصحافيين والإعلاميين في مناطق شتى، ولم تعد هناك بيئة آمنة لهم شمالاً أو جنوباً فهم مهددون بالمخاطر دوماً».
وأضاف أن «الصحافي المهني والمستقل قلما يجد وسيلة تتبنى إنتاجه في ظل شيوع الإعلام الموجه بهذه المرحلة الحرجة التي تمر بها البلاد»، مشيراً إلى أن «هناك الكثير من المؤسسات الإعلامية والصحافية تعرضت للاقتحام والنهب والمصادرة والهجوم المباشر، وقرصنة مواقعها على شبكات الإنترنت وغيرها من الانتهاكات التي طالتها».
أرقام مفزعة
نقابة الصحافيين اليمنيين أعلنت في تقريرها نصف السنوي الأول للعام الماضي 2018، رصد 100 حالة انتهاك طالت الحريات الصحافية والإعلامية في اليمن، استهدفت الصحافيين ومؤسسات إعلامية كانوا ضحايا للانتهاكات المختلفة من قتل واعتداءات وتهديد ومصادرة وتعذيب وشروع بالقتل، وحجب مواقع إخبارية ومصادرة مقتنيات الصحافيين وممتلكاتهم ومحاكمتهم.
وأشارت النقابة إلى أنها رصدت «300 حالة انتهاك منذ مطلع العام 2017، طالت صحافيين ومصورين وعشرات الصحف والمواقع الإلكترونية ومقار إعلامية وممتلكات صحافيين».
ووفقاً للتقرير، تورطت حركة «أنصار الله بـ 204 حالات انتهاك بنسبة 68% من إجمالي الانتهاكات، فيما ارتكبت جهات حكومية تتبع الحكومة الشرعية 54 انتهاكاً، بنسبة 18%، وارتكب مجهولون 28 انتهاكاً، بنسبة 9%، والتحالف العربي لدعم الشرعية 8 حالات، بنسبة 3%، يليه الحراك الجنوبي بـ3 حالات، بنسبة 1%، وأنصار الشريعة (فرع القاعدة باليمن) بحالتين، بنسبة 1%، ونشطاء في وسائل التواصل الاجتماعي بحالة واحدة».
ولفتت إلى أن الانتهاكات تنوعت بين «الاختطافات والاعتقالات بـ103حالات، بنسبة 34% من إجمالي الانتهاكات، و37 حالة حجب للمواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، بنسبة 12%، ثم الاعتداءات بـ34 حالة، بنسبة 11%»، مشيرة إلى أن التهديدات وحملات التحريض التي تعرض لها الصحافيون سجلت «31 حالة، بنسبة 10%، يليها الشروع بالقتل بـ29 حالة، بنسبة 10%، ثم المصادرة والنهب لممتلكات الصحفيين ووسائل الإعلام بـ17 حالة، بنسبة 6%».
ورصد التقرير ذاته «11 حالة محاكمة، بنسبة 4%، و11 حالة تعذيب لصحافيين في المعتقلات، بنسبة 4%، و8 حالات إيقاف رواتب وإيقاف عن العمل».
وسجل التقرير «3 حالات قتل، بنسبة 1%، تورطت فيها جماعة الحوثي، فيما توزعت 16 حالة بين المنع من التغطية، ومنع عن الزيارة، وإيقاف وسائل إعلام، وإصدار لوائح وتعميمات قمعية».
ويعد العام الماضي 2018 الأعنف في انتهاك حقوق الصحافيين، حيث رصدت النقابة 300 انتهاكاً طال حرية الصحافة في البلاد، تورطت فيها أطراف النزاع المختلفة باليمن، بحسب تقارير النقابة.