ماذا يحدث في اليمن؟ الأمم المتحدة تتحدث عن بلد تحول إلى خراب، آلاف القتلى والمصابين، غالبيتهم من المدنيين، ومجاعة تقول المنظمة الأممية أنها تهدد حياة ما يقرب من 20 مليون شخص.
من المسؤول؟ كل طرف يلقي بالمسئولية على الآخر، بينما على أرض الواقع يزداد القلق، وشبح الموت يحتل مساحات واسعة، والكل ينتظر أن تتوقف الحرب لتعود الحياة إلى البلد الذي كان يسمى في يوم من الأيام، بـ"السعيد".
بدأت الأزمة، في سبتمبر/أيلول 2014، عندما سيطرت قوات "الحوثي" والقوات الموالية للرئيس السابق، علي عبد الله صالح، على العاصمة اليمنية، صنعاء، وأجزاء كبيرة من البلاد، وفي مارس/آذار 2015، هاجم التحالف، بمساعدة عسكرية من الولايات المتحدة، قوات الحوثي — صالح لدعم الرئيس، عبد ربه منصور هادي، ثم اختلف الحليفان (الحوثي- صالح) واندلعت اشتباكات بين الحلفاء السابقين في صنعاء، فقتلت قوات الحوثي، صالح، في 4 ديسمبر/كانون الأول 2017.
المأساة في اليمن ليست في الحرب وحدها، وإنما في الأطراف المتحاربة، فهناك أحزاب وجماعات بينها الكثير من المشتركات، وبعض الاختلافات تتحالف ثم تعود وتفترق فيتحاربان، وهكذا يخسر اليمن وحده، هكذا قال أحمد الصوفي، السكرتير الصحفي للرئيس اليمني الراحل، علي عبد الله صالح، والقيادي البارز في حزب "المؤتمر الشعبي العام" اليمني الذي تحدث مع "سبوتنيك" في حوار مطول، ينشر على أجزاء عن مجريات ومآلات الأوضاع في اليمن، وحاولنا الحصول منه على إجابة على السؤال الأهم، كيف حال اليمن السعيد، وهل مازال سعيدا؟ وإلى نص الحوار…
البداية مع آخر مستجدات الوضع في اليمن، ومشاورات السويد، كيف ترى الاتفاق، وهل ينجح تنفيذه وما فرص ومؤشرات نجاحه على أرض الواقع؟
بداية، لا أحب أن أعلق على اتفاق السويد، لأني أعلنت قلقي من أن كل نضال عسكري، وأن كل ما سُفك من دماء وتضحيات يمكن لطرف يستعين بخبرات متواضعة في التفاوض، أن يخسر كل ما كسبه في الميدان على طاولة المفاوضات.
وأرى أن التحدي الأساسي يكمن في أن جميع الأطراف تعمل على أساس أن كل المقاتلين الحوثيين موجودون في الحديدة، والمطلوب هو إدارة الحديدة، أي أن القوة الموجودة في الحديدة على أرض الواقع هي التي تفرض نفسها، ما يعني أن "الشرعية" خارج الحديدة.
لذا لن يستطيع غريفيث ولا أي طرف من الأطراف أن يعطي الشرعية حق الوجود الملموس إلا في صورة مواطنين أو أنصار، وبالتالي فإن إمكانية تطبيق اتفاق أخلاقي سياسي بين طرف متواجد عسكريا في الميدان وبين آخرين يزعمون أنهم متواجدون رمزيا عن طريق لجنة في ما يتعلق بالميدان، لا يمكن ترجمة حروف كلماته إلى وقائع، ما يعني أن الحديدة في الشكل، مسلمة للشرعية، لكن المضمون أن الحوثي هو من يمسك بزمام الأمور.
برأيك، ما الذي استفادته "الشرعية" من الاتفاق، وألا ترى ذلك تقدما سياسيا للحوثيين على الصعيد الدولي؟
أظن أن هذا السؤال حساس جدا، هناك موظفون في الدولة، أحدهم وزيرا للخارجية والأخر رئيس وزراء، والثالث رئيسا للجمهورية، يُترك سؤال من خسر ومن ربح ليجيب عليه المسؤولون، فأنا لا أريد أن أرجح كفة ولا أريد أن أربك أخرى، لكن اليمن ليست رابحة في هذا الاتفاق.
لكن أزعم أن اتفاق السويد، انتصر فيه المبعوث الدولي، وخسر فيه اليمن. الحوثيون بهذا الاتفاق تصدوا لهجوم عسكري يكاد ينتزع منهم أهم ورقة، وهي التي تؤمن لهم الموارد الاقتصادية ومنفذ للتسليح، فضلا عن مساحة للتجارة التي كانوا يلعبون بها، وكذلك الأطراف الدولية.
اللعبة باقية، والحوثي لم يربح، أخذ نفسا لا غير حتى يستعيد بناء أولوياته، وفق الاحتياجات الإقليمية والدولية التي تستخدمه.
تقول حكومة هادي إنها تسطير على نحو 85% من اليمن، فكيف ترى وضع "الشرعية" وأين توجد على أرض الواقع في اليمن؟
رغم أن الشرعية استطاعت أن تحرر —كما تزعم- بمفردات الخطاب الإعلامي 85 % من الجغرافيا بسكانها ومد سيادتها على تلك المناطق، لكن العاصمة الرئيسية، وهي عدن، ليست المركز السياسي للشرعية.
أعتقد أن السبب الرئيسي، أن ما نسميه نحن جميعا الشرعية تتكون من ائتلافات حزبية، وكل حزب من الأحزاب لديه أجندة خاصة، بالإضافة إلى أن هناك أحزابا رسمية تتبع جهات إقليمية ودولية أيضا، تمانع أن يكون نصر لطرف من الأطراف السياسة.
ناهيك عن أن السعودية والإمارات تُظهر من الأفعال اليومية والمبادرات والبرامج وأيضا تنفذ مشاريع يجعلنا نتحسس —نحن اليمنيين- من أن هناك لكل طرف من الأطراف أجندات.
في المهرة هناك أفعال، وقنوات تلفزيونية تكاد تكون خارج السيطرة، وهناك أيضا إدارات ومؤسسات أمنية وقوات مسلحة وتحركات اقتصادية خارج سيطرة الشرعية.
بالكاد يمكن أن أقول لك، الجميع يعمل على تقوية الحوثي، وبالأخص التحالف العربي. أنا لا أدري ما إذا كان التحالف ضد الحوثي أم من أجل الحوثي.
في قلب الأزمة اليمنية تقف دول الخليج بقوة، فكيف تُقيم دور هذه الدول في حل/تعقيد الأزمة؟
شخصيا، قلت هذا الكلام في الرياض، أنا لا أفهم السلوك السعودي، أو السلوك الإماراتي في اليمن، لا أفهم لماذا كل هذا الكم الهائل من الصواريخ، وكل هذا الكم الهائل من الأخطاء التي تحدث.
الأمر الآخر، أرى أن الإمارات تقاتل الحوثيين، وفي نفس الوقت تقاتل الشرعية، أنا لا أفهم عمليات الاغتيالات التي تستخدم فيها القاعدة وشركات في عدن، وكأن تحرير عدن ليست قضية تخص الشرعية، بل تخص الإمارات بدرجة أساسية.
الإمارات ترسل رسائل مقلقة وملتبسة في ما يتعلق بحربها ضد الحوثي، فهي ضربت الشرعية في الصميم في المناطق المحررة، حتى أوصلت عدن، عبارة عن مستنقع تصفية حسابات مبهمة، فلا أحد يعلم لماذا يتم اغتيال عشرات القادة، وأن تتحول المحافظات الجنوبية إلى معقل للقتلة والخارجين عن القانون، وكأن الحوثي يقدم له جائزة اسمها مناطق مضطربة، وهي المناطق المحررة التي من المفترض أن يؤسس عليها المشروع الوطني الجامع لليمنيين.
أرى أن الإمارات تقوي الحوثيين حتى يرفعوا شعار تحرير اليمن من احتلال عربي- السعودية والإمارات، نحتاج أن نجلس على قدم المساواة مع السعودية والإمارات، لنعرف —نحن الشرعية- وفقا للأعراف والقانون الدولي كيف نقود معا التخلص من انقلاب الحوثي، أم نحن عبارة عن ذريعة لكي يهزمهم الحوثي، ونكون نحن خارج اليمن.
أقول إن إضعاف الشرعية يشكك في مصداقية فكرة وجود حماة أو تحالف عربي يستهدف القضاء علىالنفوذ الإيراني، ما لم يتم تدعيم أركان الشرعية وتأسيس نظام نموذجي في مناطق الشرعية، التي تمثل أكثر من 85 % من الجغرافيا، لتأسيس كيان وطني جامع لليمنيين، فإن التخلص من الحوثي ما هو إلا مقدمة للتخلص من الشرعية.
يتلقى اليمن ملايين الدولارات في صورة مساعدات إنسانية، سواء من السعودية أو من غيرها، فأين تذهب هذه الأموال، وهل تخفف معاناة اليمنيين أم أن الأزمة تخطت حدود هذه المساعدات؟
في الحقيقة، هناك مراكز افتراضية تعين الأرقام المُقدمة لليمن سواء كانت ممثلة في الشرعية، الحكومة الافتراضية، داخل الرياض أو وكلائها في أي مكان من أماكن الوجود، لكني سأقدم لك عينة للرد على سؤال أين تذهب هذه المساعدات؟
قضيت فترة شهر وثلاثة أيام، نمت على فرش مقدم من المساعدات، التحفت ببطانيتين مكتوب عليها مساعدات، أطعمونا أرز وفاصوليا، وكذلك استخدمنا مواد تنظيف من اليونيسيف.
جميع احتياجات السجون كانت تغطى من المساعدات السعودية باسم الأمم المتحدة، أنا الأن أقول كل هذا الأداء بأدق تفاصيله، بدء من الصواريخ وانتهاء بالمساعدات هل هو ضد الحوثي أم يدعم بقاء الحوثي، أم الحوثي أهم حليف عشوائي يتم تنميته ليكون عاقلا، أنا أشك أن التحالف العربي يفهم أن لديه عدو، أعتقد أن التحالف العربي لديه عدو، هو نفسه.
أظن أن جميع الأطراف خارج المملكة والإمارات، تعي هذه التفاصيل التي أقولها ولا ترغب في الاعتراف بها، فما هي أجندة هذه الحرب؟ّ هل الإبقاء على الحوثي باعتباره رقما يمكن أن يؤدي إلى تقسيم اليمن؟ّ هل الحوثي سببا في حرب إقليمية تكون ايران طرفا فيها؟ هل إلغاء وجود الجمهورية اليمنية باعتبارها إطار ديمقراطي ناشئ يمكن تصفيتها باغتيال عسكري وحرب إقليمية؟
كل هذه المسائل مطروحة، هل فشل ما نسميه ثورات الربيع العربي تجاه مصر وغيرها من الدول يمكن تمريره عبر الحرب، كل هذا وارد، ونحن تحدثنا مع الأخوة السعوديين من داخل الرياض، من أن هناك أخطاء جوهرية ولكن يبدو أن لا أحد يسمع، الحرب كحرب الجميع تجاهلها، الجميع يلاحظ وقائعها، هناك طيران وهناك حرب برية، تفاصيل كثيرة، لكن استراتيجية أن هذه حرب، ويجب أن ننتهي منها بهدف يتحقق ميدانيا وسياسيا، أصبح هو المجهول الأول والأخير.
تقصد أن الحرب في اليمن فشلت في الوصول إلى أي من أهدافها؟
الحرب لم تبدأ بعد لتصل إلى أهدافها، فهذه عبارة عن عمليات عسكرية مفككة، أما الحرب باعتبار أن لها غايات سياسية لم تبدأ بعد.
على الجانب الآخر، هل هناك تنامي حقيقي للنفوذ الشيعي الإيراني على الحدود اليمنية مع السعودية؟
إيران لديها حرب غير مكلفة، هي الفوضى، ففي كل منطقة تستطيع أن تنعش النعرة الطائفية المذهبية في أي مكان، سواء في اليمن أو السعودية أو غيرها، ذلك لا يكلفها الكثير، لكنها تخلق اضطرابات في إطار البنية الاقتصادية لهذه الدول.
وبالتالي، لسنا في إيذاء نظام، نحن إيذاء فعل عنيف، ما يعني أن فارس حاضرة اليوم بقوة أكثر من فارس، التى كانت موجودة، في بداية القرن العشرين.
وليس من حق إيران أن تتكلم عن أقليات أو تدافع عن حقوقها في ما يتعلق بدول الخليج، أو في ما يتعلق بإرثها الفارسي في اليمن، يمكننا في كل هذه القضايا أن نقوم بتسوية، تقوم على أساس القانون الدولي.
دعني أقول لك بصراحة، استمرار الحرب العبثية الراهنة يدل على أن الأجندات المطروحة لم تترك لنا الكثير من الخيارات، فإما أن يحل النفوذ السعودي أو يحل النفوذ الإيراني، وكلاهما غير مقبول من قبلنا.
هل نحن جزء من المملكة العربية السعودية أمنيا، أم نحن جزء من أمن عربي إسلامي، هناك خلط بين الأولويات في ما يتعلق بهذا الملف.
في المقابل، كل ما نريده، هو استقلال اليمن وامتلاكه القرار الوطني، وفي الوقت نفسه أن يراعي حقوق الجوار في ما يتعلق بالأمن الإقليمي.
وأظن أن تحييد مصر في هذا الشأن أمر مهم، لأننا جزء من الأمن القومي المصري، ولا يمكن أن نتحدث عن السعودية والإمارات دون الحديث عن مصر، وبالتالي أشعر أنه لا يوجد استيعاب لما يسمى بالأمن القومي لمنطقة بشكل عام، في الحرب المستمرة.
وبهذه المناسبة، أتطلع إلى التقاء أعلى القيادات المصرية كي نراجع احتياجاتنا القومية كيمنيين، وكذلك نراجع احتياجات مصر والسعودية، وفي نفس الوقت نحن نقول لسنا أعداء، حتى مع محيطنا.
بعد مقتل عبد الله صالح، مؤسس "المؤتمر الشعبي العام"، كيف ترى وضع الحزب ومستقبله السياسي، وهل ترى لأحد من عائلة صالح دورا بارزا في قيادته مستقبلا؟
من الأمور الطريفة أن الجميع يسأل عن صلتي بالأخ أحمد علي عبد الله صالح، وهو طبعا وشهادة للتاريخ صالح أحسن في تربية أولاده، وفي الوقت نفسه، نأى بهم عن شوائب حياة السلطة، لكنه في المحصلة أقحمهم في إطار دائرة الملابسات السياسية، التي تضع هذا ضمن الاعتقال أو الحظر الدولي، ومطلوب منهم أن يلعبوا دور المنقذين.
أحمد صالح لم يتهيأ بعد لأن يلعب أي دور سياسي، فأحمد قائد عسكري، في ظل أبيه، ولكنه لم يستطع أن يشق لنفسه طريقا يجعله متفردا.
كانت كلمات صالحة قاتلة، عندما قال إن ابني قد بلغ سن النضج، وعليه أن يسلمه زمام الأمور، وكانت هذه المساحة القاتلة التي خلقت عصب المعارضة السياسية لحكم صالح. وخلقت التباس أن صالح ليس جمهوريا، ويريد أن يورث لأولاده؛ الأحزاب والسلطة لا يمكن توريثهما إلا في نظام ملكي.
نحن مع أحمد صالح في أن يغادر دائرة العقوبات، وسنقف معه في أي محنة قد يواجها، ولكننا نحن كائنات الشوق الآتي إلى نظام جمهوري يمني، لن نورث، ولا يمكن أن نقبل بعمل صيغة تجعل من حزب المؤتمر العام، ملكية خاصة.