نشر معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، تقريرا عن أبعاد لقاء قادة حزب الإصلاح اليمني، بولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد.
وجاء في التقرير الذي أعدته المحللتين باربارا ليف، وإليانا ديلوزبي، أنه عند النظر إلى الجدول الزمني لابن زايد، فإن لا شيء يحدث معه على سبيل المصادفة.
وبحسب المعهد، فإن لقاء ابن زايد بقادة إصلاح اليمن، الذي سبقه حضوره لقاءهم مع محمد بن سلمان، "يمثّل نقطة تحوّل مهمة بين خصوم الأمس تماما، في الوقت الذي توجه فيه (أعضاء يمثلون) التحالف العربي-الإماراتي إلى السويد، لحضور محادثات سلام برعاية الأمم المتحدة، بينما يناور هذا التحالف لبسط نفوذه في اليمن ما بعد الحرب".
وتابع التقرير بأنه "يتعين على الولايات المتحدة الاستفادة من هذه الخطوة وضمان قيام التحالف بتنفيذ فعلي لوقف إطلاق النار، وتوفير الدعم الدبلوماسي لجلب الثوار الحوثيين إلى طاولة المفاوضات".
وبحسب التقرير، فإن "اتصال ابن زايد يبدو مفاجئا نظرا إلى نفوره القديم من جماعة الإخوان المسلمين وفروعها في المنطقة. فطوال أكثر من عقدين من الزمن، قمعت السلطات الإماراتية الحزب الإسلامي الرئيسي في البلاد، الذي يُدعى أيضا (الإصلاح)، في مسعى لتطهير الإمارات من نفوذ (الإخوان). وتسارعت وتيرة هذه السياسة مع الإعلان الصادم بأن شابين من الإمارات الشمالية المحافظة، كانا من بين مختطفي الطائرات في حوادث 11 أيلول/سبتمبر. وحيث اعتُبرت الجماعة بمنزلة تهديد للإسلام المعتدل الذي تبنته الإمارات، فقد حظرت السلطات الجماعة، وطردت أفرادها من المناصب الحكومية، وحاكمت العديد منهم".
ولفت التقرير إلى أن أحداث الربيع العربي، لا سيما وصول الإخوان إلى السلطة في مصر، لم تسهم سوى في "تشديد عزم أبوظبي على مواجهة هذه الحركة. وقامت الإمارات، التي انضمت إليها السعودية والبحرين، في تصنيف الإخوان المسلمين رسميا منظمة إرهابية في عام 2014، وسعت بجد (وإن دون جدوى) إلى إقناع الولايات المتحدة وبريطانيا وحكومات غربية أخرى بأن تحذو حذوها".
وتابعت أنه "كانت النظرية الكامنة وراء هذه المقاربة بسيطة، على ما يبدو – ففي نظر أبوظبي، تعتبر جماعة الإخوان المسلمين منظمة عابرة للحدود، تبعد أتباعها عن ولائهم الوطني وتوفر الأسس الإيديولوجية لأكثر الحركات الإسلامية عنفا في العالم. لكن التداعيات الإقليمية لنموذج الإخوان المسلمين كانت أكثر تعقيدا على الصعيد العملي. وينطبق هذا بشكل خاص مع نسخة اليمن من الإصلاح، وهو تحالف متنوع من جماعات تشمل فرعا محليا لجماعة الإخوان، ولكن أيضا رجال قبائل من الشمال ورجال أعمال محافظين ومسلمين سلفيين".
وأضافت أنه "في ظل احتدام الحرب اليمنية بعد عام 2015، وجدت الرياض وأبوظبي نفسيهما تختلفان حول القضايا والعلاقات الرئيسية، مما خلق ديناميكيات سياسية غير مريحة على الأرض. ومنذ البداية، كان السعوديون على استعداد للعمل مع أحزاب إسلامية على غرار الإصلاح، لمحاربة خصمهم المشترك، أي الحوثيين، وتحقيق الاستقرار في شمال اليمن. وكانت الإمارات مترددة في القيام بذلك، حتى إنها اتُهمت باستهداف أفراد "الإصلاح" بشكل كبير في جميع أنحاء الجنوب".
ولأسباب مختلفة، قال تقرير المعهد إن الإمارات اعتمدت إلى حدّ كبير أيضا على القادة والقبائل غير الإسلاميين في حربها ضد الفرع اليمني لتنظيم القاعدة. "لكن هذه الفصائل نفسها تسعى الآن جاهدة إلى الانفصال – وهي نتيجة تعارضها مع السعودية".
وعن تعزيز رؤيتها بوجود خلاف إماراتي سعودي في اليمن، جاء في التقرير أن الإمارات عبر مليشياتها قاتلت قوات الرئيس الشرعي عبد ربه هادي منصور، في الوقت الذي تستضيفه الرياض.
واستدركت: "غير أنه في الآونة الأخيرة، انتهجت الإمارات استراتيجية تدريجية وأكثر علنية لإقامة علاقات مع مجموعة كاملة من الجهات الفاعلة السياسية اليمنية، لا سيما في الجنوب. وعلى هذا النحو، كانت تعدّ نفسها بحذر لتأدية دور كبير هناك بعد الحرب بغض النظر عن التركيبة السياسية للحكومة المستقبلية، مع الإبقاء في الوقت نفسه على غموض استراتيجي حول مواضيع مثيرة للجدل، مثل الانفصال في الجنوب. ويشكّل الاجتماع العلني لمحمد بن زايد مع قادة (الإصلاح) الخطوة الأحدث، وربما الأهم في هذه الاستراتيجية. ومع ذلك، جاءت هذه الحركة المحورية التدريجية بشرط أساسي واحد: قيام "الإصلاح" علنا بقطع روابطه بجماعة «الإخوان المسلمين".
وقال التقرير، إن اجتماع ابن زايد مع الإصلاح، "مثل نقطة محورية بالنسبة للحزب اليمني، في مواصلة لتقليده بالصمود من خلال التكيّف. فمنذ تأسيسه في تسعينيات القرن الماضي، ضمّ الحزب اليمني شركاء غريبين غالبا، ما أدّت أهدافهم المختلفة إلى انقسامات داخلية عميقة".
ولفت التقرير إلى تصريحات قادة الحزب في الآونة الأخيرة، التي تبرأت من أي علاقة تنظيمية بجماعة الإخوان المسلمين.
وعلقت كاتبتا التقرير بأن "هذه الخطوات مهّدت الطريق أمام محمد بن زايد للعمل على دعوة اليدومي والآنسي إلى أبوظبي في الشهر الماضي. ومن خلال نشر صور الاجتماع على حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي، أشار ولي العهد إلى أن الإمارات وافقت علنا على انفصال الإصلاح عن الإخوان المسلمين وأنها تعتبر الحزب لاعبا مهما، إن لم يكن شريكا كليا، في اليمن. وقد بالغ قائدا "الإصلاح في مدحهما المُنتشر على نطاق واسع بخطوة محمد بن زايد، مؤكديْن أن الإصلاح لم يعارض قط مساعدة دولة الإمارات في إعادة فرض النظام في اليمن".
وعلقت الكاتبتان بأنه "لا يجب اعتبار الاجتماع على أنه صداقة مزدهرة، حيث إن أبوظبي والإصلاح سيستمران في النظر إلى بعضهما البعض نظرة الشك ولأسباب وجيهة. فالإماراتيون لم يغيروا حتما وجهات نظرهم الاستراتيجية حيال الإسلاميين السياسيين، ولا يزال الإصلاح بحاجة إلى قاعدته الدينية. وبالنسبة للإمارات، فإن التفاهم مع الإصلاح يضمن نفوذه مع لاعب ربما يكون مناسبا في فترة ما بعد الحرب. وبالنسبة للإصلاح، قد يبدو الادعاء العلني عن الانفصال عن الإخوان المسلمين مساومة عادلة – في الوقت الراهن. ومن المرجح أن يرغب الحزب في الحصول على حماية الإمارات في الجنوب، حيث يندد به الانفصاليون عموما".
وحول مستقبل الحزب، قال التقرير إنه "على المدى الأطول، سيواجه الإصلاح صعوبة في الاستمرار من دون قاعدته الدينية، التي أتت بشكل رئيسي من جناحه التابع لجماعة الإخوان المسلمين. وعلى غرار محمد بن زايد، يحاول اليدومي على ما يبدو إيجاد تسوية. وتشير تصريحاته باستمرار إلا أن الإصلاح غير مرتبط بالإخوان، غير أن عباراته الحذرة تتجنب كذلك فصل الحزب عن أي عناصر تشبه الإخوان داخل اليمن".
وختم التقرير بتحذيرات مراقبين من أن "حدة الصراع الأساسي بين هادي والحوثيين لن تتراجع إلا لتمهّد لاندلاع صراعات داخلية أخرى. ومن شأن مدى قدرة السعودية والإمارات على مواءمة مساعيهما الدبلوماسية، وتشكيل تحالف كبير من الأطراف السياسية اليمنية، أن يرسم معالم احتمالات تشكيل عملية انتقالية فعلية من الحرب الأهلية".
وأضاف بأن "أمام الولايات المتحدة دور عاجل عليها أن تؤديه في هذا الصدد. فقد تصاعد ردّ إدارة ترامب لوقف الحرب في الآونة الأخيرة ليقترب من كونه خطوة قد يتخذها الكونغرس، تهدف إلى وقف جميع الدعم الأمريكي لعمليات التحالف. غير أن الدعوة إلى وقف إطلاق النار ليست كافية. ومن أجل تعزيز الخطوات التي يقوم بها غريفيث والرياض وأبوظبي، على واشنطن تصميم تواصلها السياسي الخاص مع الفصائل اليمنية المختلفة. وقد يكون لهذه الخطوة ميزة إضافية تتمثل في الضغط على حكومة هادي والحوثيين لإحراز تقدّم ملموس نحو إبرام اتفاق سلام".