* نفاق المجتمع الدولي
هناك فكرة عامة في الوعي الجمعي للشعب اليمني حول طبيعة موقف المجتمع الدولي الحقيقي من مليشيا الحوثي، فكرة رسخت قناعة لدى طيف كبير من المجتمع بأن مواقف الغرب المعلنة إزاء مليشيا الحوثي هي مواقف تفتقد للمصداقية، ويتساءل الناس بوعيهم البسيط، كيف يعقل أن تكون مواقف المجتمع الدولي الرافضة للمليشيا حقيقية وصادقة بينما كل المؤشرات العملية تؤكد تواطؤ المجتمع الدولي وبشكل لا تُخطئه عين مع مليشيا الحوثي، وفي غالب الظن إذا تعاملنا بحسن نية مفترضة وسلمنا جدلا بأن المجتمع الدولي صادق وجاد في رفضه لكل مظاهر الإنقلاب، فإن السؤال الذي يبرز أمامنا، هو ماذا قدم المجتمع الدولي في سبيل مساعدة اليمنيين؛ لإنهاء الإنقلاب..؟ أليس مجلس الأمن مخول قانونيًّا بالوقوف ضد كل حركة تقوض السلم الأهلي في أي بلد في العالم..؟
وما دام كذلك، لماذا لم تقدم الدول الفاعلة في المجتمع الدولي شيئًا في سبيل التزاماتها الأخلاقية لحماية إرادة الشعوب وصون السلام العالمي..؟
*كيفية تعامل المجتمع الدولي مع فكرة الأقليات بشكل عام.
في البداية يمكننا القول أن التواطؤ الذي يشعر به المجتمع اليمني بخصوص تعامل المجتمع الدولي مع الحوثيين ليس بسبب أن المجتمع الدولي يؤيد جماعة الحوثي وليس لأن مصلحته معها؛ بل المشكلة تعود لاستراتيجة ثابتة لدى المجتمع الدولي وهو أنه يحرص دومًا على استخدام فزاعة الأقليات بطريقة أو بأخرى لابتزاز الأغلبية في أي بلد، وبهذا نشاهد دومًا كيف أن المجتمع الدولي يثور لو تعرض مواطن واحد من أي أقلية لاضطهاد بينما يصمت عن اضطهاد الأكثرية من قبل الحكام، وأكثر ما يمكنه فعله هو التعبير عن قلقه. وفي حال ما تمكنت أقليه من اضطهاد الأكثرية يتعرض المجتمع الدولي للحرج، فهو لا يستطيع تأيدها علنيا لكون سلوكها يتناقض مع المبادئ الظاهرية للمجتمع الدولي، وفي نفس الوقت لا يمكنه تأييد الأكثرية بشكل مطلق ولو كانت تملك المشروعية، لهذا تبدو مواقفه متذبذبة ما بين تأييد علني لطرف الأكثرية ومناهضة شكلية للأقلية، وفي داخل هذه الحالة المتذبذبة يستغل أي فرصة لطرح حلول سلمية تبدو في غالبيتها مساواة بين أقلية مستبدة وأغلبية مضطهدة، بما يكفل نوع من التوازن الهش تُمنح فيه الأقلية أكبر من وزنها وبهذا يقطع الطريق أمام أي حل على أسس سليمة تعود فيه الأقلية لحجمها الطبيعي مثل أي قوى سياسية أخرى، لأن هذا الوضع يحرم المجتمع الدولي من قدرته على استثمار الأقلية لتمرير أجندته السياسية على أي نظام تحكم فيه الأغلبية وفقا لمبادئ الديمقراطية وتحصل فيه الأقلية على حقوقها كاملة وبما لا يدع فرصة لأي ابتزاز ممكن.
*دعوة المجتمع الدولي للسلام مع الحوثيين..خديعة أم سوء فهم..؟
لا أحد يرفض السلام؛ لكن حين تكون بإزاء جماعة يشكل السلاح بالنسبة لها عقيدة عسكرية ثابتة وتنظر للحرب كوسيلة أساسية للوصول للسلطة واسترداد ما تراه حقا مقدسا لها (قضية الحكم) فإن أي سلام يبنى على أمل إقناع هذه الجماعة بالحل السلمي، فهو سلام مغشوش.
من هذا منطلق هذه الرؤية التي تبدو عليها الجماعة، علينا أن نتساءل، هل يبدو المجتمع الدوليوهو يدعو بشكل حثيث للسلام مع جماعة الحوثيمغفلا وليس لديه رؤية واضحة عن خلفية الصراع الذي يخوضه اليمنيين معها..؟ بمعنى هل يمكن أن يكون المجتمع الدولي جاهلا بطبيعة التركيبة الذهنية لجماعة الحوثي ومنطلقاتها القتالية، أم أنه يتعمد النظر إليها كجماعة سياسية مع إدراكه لكونها جماعة دينية تشكل الحرب بالنسبة لها منهجا للسيطرة..؟
*المجتمع الدولي ليس مغفلا.
في الحقيقة، لا يمكن القول أن المجتمع الدولي غير مدرك لجذور الصراع؛ لكنه ولأغراض سياسية يتعمد الدفع باتجاه سلام غير موثوق، في مسعى منه لاطفاء أحد بؤر الاشتعال في منطقة الشرق الأوسط، وانتزاع أكبر قدر ممكن من الامتيازات السياسية لهذه الأقلية، وهذا أمر بقدر ما يعزز قوة أحد الأوراق السياسية المهمة للمجتمع الدولي، هو أيضا يعيق أي تأسيس حقيقي لمشروع الدولة الوطنية، وهذا ما ينذر بدورات عنف، تكون بمثابة استدرار مالي دائم لمجمع الصناعات العسكرية الغربية التي تحصد أرباح طائلة وتتغذى على دخان المعارك في هذه المنطقة المشتعلة من العالم ما بين الفترة والأخرى.
* نوعية السلام المشبوه والممكن إنجازه مع الحوثيين الآن.
مع كون جماعة الحوثي تتخذ من الحرب مبدأ راسخ في سلوكها، لكن في حال اضطرارها للسلام فهي تفعل ذلك خضوعا للإرادة الدولية المؤقتة ومن من باب "التقية السياسية" أيضا، ولأسباب تتعلق بالظروف الموضوعية لواقعها العسكري وإحساسها بأن استمرار الحرب لن يكون لصالحها، بالنظر لانقطاع مصادر تغذيتها العسكرية وتعرضها للحصار. وليس إيمانا منها بضرورة السلام كحل نهائي لاستقرار البلد والتنافس على السلطة بأدواتها السلمية وقنواتها المعروفة في كل بلدان العالم.
الخلاصة : نحن إزاء نظام عالمي أثبت تناقضه وعجزه عن التعامل مع الواقع الدولي الجديد، وبات بحاجة لإصلاح ضروري وعاجل، وباختصار شديد: فإن زلزال الحراك الشعبي في منطقة الشرق الأوسط كان بمثابة الضربة التي أسقطت قناع المجتمع الدولي وعرت هشاشته، وما هذه الأعراض المرضية التي نشاهدها في طريقة تعامل المجتمع الدولي إزاء ملفات المنطقة، سوى مؤشرات واضحة تكشف عمق الخلل القيمي في المؤسسات الضابطة للسلام العالمي، لجانب اختلال تركيبة القوى المسيطرة على القرار، بما يحتم إعادة هيكلة المؤسسات الدولية وفسح المجال لتعددية قطبية دولية تسهم في إحداث توازن، يصب في صالح السلام الدولي وينهي حالة العجز والنفاق والتلاعب بمصائر الشعوب في أروقة المؤسسات التي نشأت من أجل الحفاظ على قيم البشرية وليس المتاجرة بها كما هو حاصل الآن.