منذ البداية ومليشيا الحوثي ترسم نهايتها المحتومة بنفسها، فلم تكن انتفاشة الحركة السريعة سوى مؤشرًا على وجود وهم كبير يتمدد بسرعة الضوء ولا بد أن يتلاشى أو يعود لحجمه الطبيعي طال الزمان أو قصر، وكعادة الظواهر الشاذة في التأريخ، عادة ما تأخذ هذا النوع من الحركات حجمًا أكبر من حجمها الحقيقي لحظة التمدد الكبير، حيث تتواطأ ظروف تأريخية كثيرة تستثمرها الجماعة وتفسح الطريق لها لصعود مفاجئ وسريع، بما يجعل صعودها يحمل عوامل انهياره الذاتي؛ كونها لا تستند على مصادر قوة ذاتية خالصة، بقدر ما تستغل ارتباكات ظرفية معينة لصالحها وتصعد غير منتبهة لتناقضاتها الداخلية ونوعية الفخ الذي ينتظرها في المستقبل القريب..!
* الصعود الصادم للحركة الحوثية
في لحظات حرجة من التأريخ السياسي للبلد، بدأت جماعة الحوثي تلعب على الحبلين، كانت رجلها الناعمة في صنعاء، ورجلها الخشنة تخوض حربًا في "دماج" بصعدة، استغلت الجماعة حرص القيادة السياسية على عدم إرباك الفترة الانتقالية بأي صراع عسكري يفخخ المرحلة، إلى جانب هذا كان هناك ما يسمى ب" الدولة العميقة" التي تشكل امتداد للنظام القديم، وكانت تعيش حالة تململ خوفًا مما ستفضي إليه استحقاقات المرحلة، وهكذا ظلت تترقب أي لحظة تؤدي للإنقضاض على المسار السياسي في البلاد، وقطع الطريق على مشروع الدولة الذي يتخلق داخل مؤتمر الحوار، والذي كان من المؤكد أنه سيعمد لتأسيس دولة تسحب البساط من تحت أقدام المركز الذي ظل مستأثرا بالسلطة والثروة منذ قيام الجمهورية، وبالتالي سيخسر هؤلاء امتيازات عقود كانوا يحصدون نصيب الأسد منها ويمنحون الشعب الفتات.!
وهكذا تقاطعت مخاوف النظام الذي ثار عليه الشعب، مع رغبات الحركة الحوثية وحدث التحالف الضمني الذي فتح شهية المليشيا للدخول في صدام مسلح مع الدولة في عمران وصولا لصنعاء ومنها التمدد نحو باقي مدن البلاد جميعها ولم تتوقف سوى في عدن في ظل حالة من الذهول داخل المجتمع اليمني المصدوم من سرعة انتشار الجائحة الحوثية ودون أي مقاومة تذكر راحت الحركة تسيطر على كامل التراب اليمني، بشكل يكشف وجود مخطط مرسوم بدقة لا يمكن أن تكون الجماعة وحدها تملك مؤهلات ذاتية لتنفيذه دون وجود حلفاء من تحت الطاولة يغذونها لإحكام قبضتها على البلاد..!
*سر الانتشار والصمود المؤقت للمليشيا
كان واضحًا أن الانتشار الخاطف للحركة الحوثية خارج الإطار الجغرافي لها سوف يصطدم بمجتمع مناهض لها مذهبيًا بما يولد ردات فعل عدائية تربك الجماعة وتعيقها على السيطرة واستتباب الأمر لها كليا مثل مناطق الشمال؛ لكن ما حدث أن الجماعة تمكنت من استخدام أسلوب الصدمة وإرعاب المجتمع بما أفقده التحرك السريع باستثناء محافظتين شماليتين، مأرب وتعز، وسبب هذا التواطؤ المجتمعي هو أن الحركة حظيت بحليف سياسي هو حزب المؤتمر الذي وفر لها غطاءً شعبيا وخفف الصبغة المذهبية على تمددها، هذا هو العامل الأول الذي مكن الجماعة من الانتشار والتغلغل بسهولة في مجتمع مناهض لها مذهبيًا، وهو ما مكنها من الصمود أكثر؛ لكنه ظل صمودًا مغشوشًا في ظاهرة قبضة حديدية وفي باطنه هشاشة واضحة مطمورة بالرعب الذي تعامل به المليشا كل مجتمع تحكمه..!
*الانشقاقات المتتالية والمصير المحتوم.
بعد مرور أشهر من التدخل العسكري للتحالف العربي، أعلن الرئيس السابق تحالفه علنيا مع الجماعة الحوثية واستمر تحالفهم قرابة الثلاث سنوات، كان فيها شريكهم يتعرض للإزاحة التدريجية ويبتلع المضايقات بهدوء، واستمر على هذا الحال حتى بداية ديسمبر من العام الماضي، حيث حدثت المعركة الفاصلة التي انتهت بمقتل زعيم حزب المؤتمر، ومنذ ما قبل هذه الحادثة كانت الانشقاقات تتوالى، خصوصا من داخل المنظومة السياسية الموالية لصالح والمنزعجة من تحالفه مع الحوثي، وظلت الأمور تسير ببطء إلى أن قضى الحوثي على صالح وبدأ أنه يستفرد بكل شيء وبشكل واضح وصريح، ومنذ تلك الحادثة المفصلية توقع الكثير أن تحدث الخلخلة الكبرى على الصعيد الشعبي المساند للحركة؛ لكن الأمر لم يحدث بشكل فجائي، وظل يحدث بالتقسيط، على هيئة انشقاقات عسكرية وسياسية فردية حتى اليوم وكل المؤشرات تؤكد أن الأيام المقبلة ستشهد مزيد من الانشقاقات ما بين الفينة والأخرى وهكذا كلما سنحت الفرصة لأعضاء المنظومة السياسية والعسكرية التابعة لصالح يتقافزون من سفينة المليشيا، بما يسهم في تفكيك الحركة وإعادتها لحجمها الطبيعي ويومًا ما سوف يستيقظ عبدالملك ولم يتبق له سوى عناصره القادمون من صعدة وستعود الحركة جرداء ومعزولة مثلما كانت أول مرة وهكذا ينتهي الوهم الكبير، طال الزمان أو قصر فتلك حتمية تأريخية لا مناص منها ولا حيلة للهروب..!