قبل أشهر قليلة غطّت شوارع العاصمة صنعاء رايات حمراء لا علاقة لها بهوية اليمني وبإرثه التاريخي والحضاري، واليوم أيضاً، تلطّخت حارات وجدران وأزقة آزال اليمن وموطن قصر غمدان العريق فضلاً عن أجساد ساكنيها، بالألوان والخرق الخضراء التي حجبت عنها عبقها الحميري السبئي الضارب في عمق تربتها الندية، حتى أصبح اليمني المؤمن بأرضه وإرث أجداده الباذخ يتساءل بذهول عن كيف للقشور السطحية على أرض التبابعة أن تطفح بكل هذا النتن الزاكم الغريب، دون أن يكون هنالك من تصفية لهذه القشور أو ردمٍ أبدي لها؟
الكثيرون ممن تابعوا طفوح الهوية الهاشمية الدخيلة خلال الأربع سنوات الماضية ينوحون على طمس هويتهم اليمنية الأصيلة، والتشويه الممنهج الذي اعتراها، ويتباكون على إرثهم الحضاري الذي أتى عليه الدخلاء، لكن دون أن يجيبوا على الأسئلة الجوهرية التي أوصلتهم وأوصلت بلدهم إلى هذا الحال بعد خمسة عقود من ميلاد مجدهم السبئي صبيحة الـ 26 من سبتمبر 1962!!
أسئلة كثيرة تتدفق دون توقف، تتمحور حول حفاظ اليمني على إرث أجداده، على تاريخهم التليد، على هويتهم الجامعة؛ هل شَرَع اليمني في جمع موروثه الحضاري والفكري وقدّمه للأجيال، حتى تبقى هذه الأجيال مرتبطة بماضيها ومحافظة على هويتها؟ هل عمل اليمني طيلة خمسة عقود من قيام ثورة سبتمبر على إنشاء مكتبة تاريخية يمنية جامعة تُعنى بتاريخ اليمن العابق؛ وما تعرضت له الأمة اليمنية من قتل وتدمير على أيدي المجرمين الدخلاء الذين أرادوا حُكمها بالحديد والنار، وكيف أن اليمنيين الأوائل نافحوا عن كينونة وجودهم هويةً وتاريخاً وحضارة؟ هل سعى اليمنيون خلال هذا الزمن الطويل على إطلاق مراكز بحثية ومواقع إلكترونية مواكبة للعصر تُعيد تقديم ما دوّنه الأجداد عن اليمن الإنسان والحضارة وجعْله في متناول القراء وبخاصة على شبكة الانترنت؛ وصولاً للوعي اليمني الجمعي بتاريخهم وبه ومنه الحفاظ على هويتهم وصونها من الهويات الدخيلة؟
بكل تأكيد وحسرة وندم، لم يفعل اليمني أي شيء من ذلك، اليمنيُ عاقٌ لتاريخه ومجده التليد، تخلى اليمني عن إرث أجداده ولم يُعِره أي اهتمام، إذ لم نجد مركزا بحثيا أو حتى موقعا إلكترونيا باسم لسان اليمن الحسن الهمداني أو نابغة حِمْيَر نشوان بن سعيد الحميري اللذان دافعا عن هوية اليمن في أصعب الظروف وأدقها وقتما كانت الهاشمية الدخيلة تضرب بمعولها السُلالي الهدام تاريخ وهوية اليمن. لم نرَ أحداً كتب بوضوح وإسهاب عن ثوار اليمن كالملك علي بن الفضل اليافعي الحميري أو الملك علي بن محمد الصليحي وعن نهاياتهم المؤلمة؛ عن الفقيه سعيد بن ياسين وأحمد الزرنوقي؛ سوى صفحات باهتة في بطون الكتب أو مقالات يتيمة على الشبكة العنكبوتية لا ترقى لمقام شخوصهم ومستوى تضحياتهم.
في مقابل ذلك، تعالوا نقف أمام ما قامت وتقوم به الهاشمية الدخيلة في اليمن، في غضون أربع سنوات فقط عملت هذه الجائحة على طباعة عشرات الآلاف من الكتب والكُتيّبات والمجلات التي تُرسّخ لهويتها ومشروعها الاجرامي في اليمن، ناهيك عن اطلاقها قناة فضائية باسم "الهوية"، أما إذا ما تصفّحنا شبكة الانترنت سنجد أن موروثها الإجرامي تغص به الشبكة العنكبويتة؛ هنالك مواقع ومكتبات مليئة بكتبها التي دوّنها المجرمون من هذه السلالة الدخيلة منذ توغلهم في اليمن، كالمجلس "الزيدي"، ومؤسسة "الهادي"، ومركز "بدر"، حتى الصريع "المحطوري" أُنشيء له موقعاً باسم "شهيد المنبر"، وهنالك الكثير من المواقع والمنتديات التي تطفح بالكتب والخرافات التي تتحدث عن قتل الشعب اليمني والانتصار عليه وتجريف تاريخه وطمس هويته!!
هذا الحشد الثقافي والفكري والعمل الحثيث على غزو العقل اليمني وغسل دماغه مجدداً، وترسيخ الهاشمية لهويتها في وجدان الشعب اليمني؛ كانت عقابيله ما يحدث اليوم في شوارع صنعاء، حيث برزت الهوية الدخيلة بشكل مُروّع بينما تناءت الهوية اليمنية الأصيلة!
ويبقى السؤال تلو السؤال، هل سيتدارك اليمنيون ذاتيتهم وهويتهم السليبة؟ هل سينتفض اليمني دفاعاً عن إرث أجداده ويُعيد كتابة محطاتهم التاريخية والحضارية؟ هل سنجد في قادم الأيام مركزاً مرموقاً يحمل إسم نابغة اليمن نشوان الحميري غير المركز اليتيم الذي ظهر بعد 44 عاماً من قيام ثورة سبتمب؟
هل نحن على موعد مع انطلاق مركز "شمّريهرعش" كمركز يمني بحثي جامع في الواقع وعلى الشبكة العنكبويتة؛ يُعنى بتاريخ اليمن قديمه وحديثه ويجمع بين طياته مُخرجات الفكر اليمني في كل عصور اليمن وحقبها التاريخية بما في ذلك ما تعرضت له اليمن من هدم وتدمير من قبل المشروع الهاشمي الدخيل؟
هذا الأمر يتوقف على كل يمني قُحّ يشعر بمرارة الراهن ويخشى على يمن المستقبل أرضاً وإنساناً خصوصاً أولئك الذين لهم سعة وقدرة على جعل كل هذه الأمنيات واقعاً مُعاشاً.