بات من المؤكد أن معركة الحديدة هي المعركة الفاصلة في اليمن بين القوات الحكومية وجماعة الحوثي، حيث أن ما بعد تحرير الحديدة ليس كما قبله بالنسبة لجماعة الحوثي التي أطلقت على المدينة الساحلية وصف "الحديدة غراد" .
يعيد تشبيه الجماعة إلى الأذهان معركة "ستالينغراد" إحدى أهم المعارك الكبرى والفاصلة التي شهدتها الحرب العالمية الثانية، إذ لم يعر قادة الحرب في تلك المعركة أي إعتبار للمدنيين وسط مدينة مكتظة بالسكان، وتشير الأرقام إلى أن عدد الضحايا وصل إلى قرابة اثنين مليون ضحية، وأعتبرت كواحدة من أكثر الحروب دموية في التاريخ.
يسعى الحوثيون لتكرار هذه المعركة الدموية في مدينة الحديدة، المدينة التي تسلموها قبل أربعة أعوام بمكالمة هاتفية، يستميتون في تحويلها الى مدينة أشباح وأطلال مهجورة، حيث شرعوا في تفخيخ كل المباني بما في الميناء الرئيسي الثاني في البلاد.
الحقيقة أن معركة الحديدة تحتل أهمية خاصة في المعادلة السياسية والعسكرية، لأسباب جوهرية ، حيث تملك المدينة قيمة جيواستراتيجية كبيرة لكونها تطل على منطقة البحر الأحمر ، وفيها ميناء الحديدة ثاني أهم ميناء رئيسي في البلاد ، وبسبب الحرب الراهنة، أصبح الميناء الأول بالنسبة لإستقبال المساعدات الإغاثية للمناطق الواقعة تحت سيطرة المليشيات الحوثية ذات الكثافة السكانية الكبيرة، بالإضافة إلى ذلك، يعد الميناء الممر الأول إلى كافة الجزر اليمنية ذات العمق الاستراتيجي، وأهمها جزيرة حنيش الكبرى والصغرى وجبل زقر
لقد مثّلت الحديدة خزانة مالية كبيرة للمليشيات الحوثية ، حيث تحول قادة الجماعة إلى أثرياء بظرف سنوات قليلة ، نتيجة نشاطهم في بيع المواد الاغاثية الأممية المقدمة للمتضررين الأمر الذي ساهم في تفشي المجاعة وانتشرت صور الجوعى في تهامة كواحدة من أكبر كوارث الحرب التي طحنت هذا البلد المنكوب. فضلا عن ذلك، نشط قادة الحوثي في ابتزاز التجار المحليين وإجبارهم على دفع إتاوات كبيرة كمجهود حربي ساهم في إطالة أمد المعارك ، بالإضافة إلى أن جماعة الحوثي تنظر إلى الحديدة كآخر علاقة لها مع البحر ومنافذ تهريب السلاح ، وفي حال سقط من يدها، ستعود إلى كهف الجبل حيث معقلها الأول الذي انبعث منه كل هذا الإرث من الدمار والخراب .
لا يبدو أن لمارتن غريفيث المبعوث الأممي لليمن والقوى الدولية أي أوراق للضغط على جماعة الحوثي للخروج من المدينة وتجنيبها االمعارك الطاحنة ، على عكس الضغط الذي تعرضت له الحكومة اليمنية المدعومة من التحالف العربي والسعودية بالتحديد، حيث تلقوا ضغوطات هائلة بوقف جبهة "نهم" أقوى الجبهات العسكرية على مشارف صنعاء ووقف معركة الحديدة في يونيو الماضي ووقف معركة الحديدة في الساعات القليلة الماضية. وإن يكن، فإن وقف اطلاق النار الذي أعلن من جانب الجيش والتحالف العربي الأربعاء الماضي في مدينة الحديدة وإعطاء مهلة لعقد المفاوضات المزمع عقدها في الأيام القادمة ، لن يأتي بجديد كما أتوقع، ومثلي كثير من اليمنيين، وذلك في ظل تصلب مواقف جماعة الحوثيين وتاريخها المتمرد على كل جولات المفاوضات منذ إطلاقها الرصاصة الأولى. معلنة التمد على الدولة اليمنية.
إن الشيء الذي لا يزال مبهم هو أن المبعوث الأممي لم يعلن عن أطراف الحوار حتى اللحظة ، وهل سيتم مشاركة الحوثيين فقط أم سيتم إضافة حزب المؤتمر الشعبي "جناح صنعاء" ، وأيا كانت الأطراف المشاركة إلا أن الجميع بات ينتظر عبور هذه الإستراحة الى جولة جديدة من القتال أشد عنفاً، والتي تختلف عن سابقاتها من الجولات في منطقة الساحل .
وفي هذا الصدد، هناك ملامح لمخرجات السلام إن كتب لها النجاح، فقد صرح محافظ الحديدة الحسن طاهر لصحيفة عكاظ وقال بأن الحوثيين أبدوا استعدادهم لتسليم الميناء مقابل البقاء في الحديدة الأمر الذي رفضته الحكومة اليمنية وتعهدت بقطع أنفاس الجماعة في المدينة ، مما يعني أن الحرب المقبلة ستكون أكثر ضرواة وستنتقل الى وسط المدينة التي تقول الاحصائيات انها تضم أكثر من 600 الف إنسان .
والحقيقة التي يجب الوقوف عندها، هي أن التصريحات التي جاءت على لسان قادة من جماعة الحوثي بتحويل الحديدة إلى مدينة مدمرة كحلب السورية ليست تهديدات عابرة ، بل إن الجماعة شرعت بتفخيخ مداخل الميناء كما ذكرت وكالة "فرانس برس" وهو الأمر الذي يكشف عن العقلية الإنتقامية المدمرة التي تعشش في عقول قادة هذه الجماعة، ومن المستبعد أيضا أن تتعلم هذه الجماعة المتمردة الانقلابية من تنظيم القاعدة الذي جنب مدينة المكلا الساحلية جنوب شرق اليمن معركة عسكرية طاحنة في أبريل من العام 2016 ، حيث انسحب مقاتلو التنظيم تجنباً لما أسموه إيقاع خسائر في أوساط المدنيين ، الأمر الذي يجعلنا ندرك أن جماعة الحوثي جماعة متطرفة تتفوق على القاعدة وتتساوي في جرائمها مع داعش والنازية التي دكت ستالين فوق رؤوس ساكنيها دون أي اعتبار للإنسان.
أعود فأقول إنه من خلال تجربتنا كيمنيين وكمراقبين للأحداث ننتظر حسم معركة الحديدة عسكرياً ولا نؤمل على تسليم الجماعة لشبر واحد عبر طاولة الحوار إذ أن أبجديتها العقدية والسلالية تقوم على نظرية أنها تخوض معركة مقدسة من أجل الولاية أو الإمامة، وهي شبيهة بتلك التي تخوضها داعش التي اندحرت تحت ضربات التحالف الدولي الحاسمة، وعلى ذلك فإن الطريق الوحيد لاسترداد الحديدة ليست المفاوضات وإنما نيران الأباتشي وضربات المدفعية.