يتصاعد دخان الحرب في سماء اليمن وتزداد ضراوة المعارك، رغم الدعوات الدولية الأخيرة والمكثفة بضرورة وقف الحرب وعودة الأطراف اليمنية إلى طاولة المفاوضات للبحث عن صيغة جديدة للحل السياسي.
وأعطت الدعوات الدولية مؤشرات متباينة، فمن ناحية فهمت المهلة التي حددت بنهاية شهر نوفمبر الجاري، ثم تأجلت مرة أخرى إلى ماقبل نهاية العام الجاري، وذلك للجلوس على طاولة المفاوضات، على أنها فرصة ثمينة لمختلف الأطراف لإختبار قدراتها واستعداداتها لعملية السلام.
كما عادت معركة الحديدة إلى الواجهة من خلال التقدم الكبير لقوات العمالقة في أحياء المدينة وسط تأكيدات القادة العسكريين المحليين وقوات التحالف باقتراب الحسم العسكري، وعدم التراجع هذه المرة، مما أوحى بأن التحالف استشعر الخطر من أية مفاوضات واتفاقيات تمكن مليشيا الحوثي من التموضع في الساحة اليمنية، وبالتالي خروجه هو من دائرة الفعل والعمليات العسكرية.
من جانب آخر، دلت المعركة بأنها بمثابة ضوء أخضر للتحالف للحسم العسكري بعد المراوحة لنحو أربع سنوات.
تفسير آخر اعتبرها محاولة، لدفع مليشيا الحوثي للمفاوضات وتقديم تنازلات بشأن الحل السياسي بعد التصلب الذي رافق جولة المشاورات السابقة.
أيا تكن المؤشرات المتاحة هي الراجحة، فالواقع يؤكد استمرار المعارك وشراستها، ليس في الحديدة فحسب، فهناك جبهة لافتة أخرى، تصاعدت خلال الأيام الماضية في منطقة دمت والحقب بمحافظة الضالع، إلى جانب جبهات أخرى معتادة في حجة صعدة وتعز.
هناك مآلات كارثية للحرب بكل تأكيد، والوضع الإنساني يزداد ترديا، وكل يوم تشيع وسائل الإعلام ومواقع التواصل الإجتماعي صورا شديدة القسوة للأطفال الجوعى والمصابين بالأمراض والأوبئة المختلفة.
أرقام مخيفة للوفيات والمصابين بجوائح الكارثة الانسانية للحرب، حيث أضحت الكارثة أكبر من قدرة الراصدين، خاصة ان ثمة حالات لا تصل إليها المنظمات الدولية ووسائل الإعلام.
المدير الإقليمي في الشرق الأوسط وشمال افريقيا بمنظمة اليونيسيف خيرت كابالاري قال إن 30 ألف طفل يمني يموتون سنويا بسبب سوء التغذية.
وأضاف كابالاري في مؤتمر صحفي أن مليون وثمانمائة ألف طفل يمني دون سن الخامسة يعانون من سوء التغذية الحاد، وأن كل 10 دقائق يموت طفل يمني بسبب أوبئة يمكن علاجها.
وأثارت صورة الطفلة "أمل حسين"، والتي توفيت بعد أيام من ظهورها بشكل مثير جدا نتيجة سوء التغذية الحاد، مزيدا من الضوء على حجم الكارثة.
كل ذلك، يستدعي طرح التساؤلات، هل إمكانية فرص السلام لا تزال قائمة في اليمن؟.
الندوة الدولية التي عقدتها مؤسسة توكل كرمان في مدينة اسطنبول التركية بعنوان "اليمن.. تحديات الحرب وفرص السلام"، كانت مناسبة جيدة لطرح مثل هذه التساؤلات والاستماع للإجابات المختلفة، وذلك بما حظيت به من نقاشات متباينة للباحثين للعرب والأجانب حول زوايا الصراع.
مع ذلك، لم تغن النقاشات المستفيضة من بقاء الجدل المثار بشأن إمكانية تحقيق عملية سلام مستدام في ظل تصاعد آلة الحرب باليمن.
الكل يعلم الطريقة الوحشية التي أسقطت بها مليشيا الحوثي الدولة اليمنية، وهي لا تزال ماضية في تجريف الحياة العامة، وعمليات القتل للمواطنين المناوئين لها والتعذيب للمعتقلين.
معظم الصور المروعة للقتلى والأطفال مبتوري الأطراف هي نتيجة قصف مليشيا الحوثي أو بسبب الألغام التي زرعتها في أماكن مختلفة من مناطق الصراع.
وسط هذا الخراب المبذور، المليشيا لا تبدي أي تجاوب حقيقي لعملية سلام جادة، والأسوأ ان التحالف بقيادة السعودية والإمارات يراوح في معارك بأجندات ليس هدفها الحسم.
أجندات التحالف وعمليات التحرير الموهومة، ولدت حالة ملل وتوق للخروج من هذه الدوامة، ولو بالبحث عن مخارج للسلام الموهوم مع مليشيا فاشية.
لا يمكن للسلام ان يتحقق بمجرد ضجيج دولي معتاد بشأنه.
هناك بصيص أمل وحيد للسلام في اليمن وهو إما ان يضغط المجتمع الدولي بشكل جاد على مليشيا الحوثي لتنفيذ القرار الدولي 2216، أو بواسطة عملية عسكرية واسعة، تكسر شوكة مليشيا الحوثي وتعيدها إلى حقيقة كونها مليشيا اختطفت الدولة في لحظة تواطؤ وحسابات حمقى للسعودية والإمارات.
بغير ذلك، سنظل نراوح في منطقة وسط بين اللاسلم واللاحرب، وهي المرحلة المهلكة والتي نعيش فصولها الكارثية منذ أربع سنوات.