كان يتمنى أن تحمل سيارته كلَّ من هم خارجها
قال إنه يتمني لو يحمل كلّ مَن هم في تعز إلى صنعاء !
ـ وهل تتركهم هناك؟
ـ لا.. أعيدهم إلى تعز !
سمعت تلك الأمنية لسائق بيجو في ثاني مشوار لي إلى العاصمة التي أحملها في ذهني
تولت الحرب تحقيق أمنية ذلك الرجل، الذي لا أدري في أي طريق و أي لحظة مات، أو مازال ينتظر!
تأتي الردود هذه الأيام عندما أسأل أصدقائي:
أنا في تعز
أنا في صنعاء
أنا في الطريق
وما أطول الطريق وأشقه!
الساعات أصبحت أياما، ولا أحد ينادي عند "الفرزة" في تعز: باقي نفر ..باقي اثنين!
ثمة قناص يسيطر على تلك الرقعة في أرض حملت ملايين الناس نحو عاصمة بلادهم، ثم عادوا بالورد والإمكانات والقصص القصيرة عمّا يحدث في العاصمة!
حين عدت من أول رحلة إلى صنعاء، كان معي كلمات يسمعها أهل قريتي للمرة الأولى في حياتهم!
وكنت أشعر بالزهو وأنا أرددها، وأريهم صورتي، وصقر التحرير على كتفي، وعن يميني دبابة، وجواري أبي، وأنا أقول لهم: وهذا أبي! مع أنه يعيش بينهم، لكنها اللحظة من تتحدث، الدهشة في عيون الصغير العائد من العاصمة!
كنت أيضا أتمنى لو أحمل أهل قريتي كلهم وأريهم الأماكن التي تعرفت عليها في صنعاء، وأسير في مقدمتهم وأقدمهم إلى مصور التحرير، صاحب الحصان والطير الذي لم يكن يوما صقرا!
حين رأيت المكان الذي كانت تستظل تحته مجموعة من سيارات صنعها الفرنسيون يوما، قديما استحضرت لحظة الانتظار
، حين كنا ننظر جميعا في وجه المسافر الجديد وهو يقول "صنعاء " نفرح لجوابه لا نريد البقاء طويلا تحت الظلال!
نريد أن ننطلق
أن نصل إلى صنعاء
أن نغادر مدينة نحبها إلى أخرى نحبها أيضا!
وما إن تدور العجلة حتى ينطلق سؤالنا إلى من حولنا: أنت من فين؟!
تدرس والا تشتغل؟!
هذه أول مرة والا قد "رحت" من قبل؟
كأننا في طريقنا إلى الجنة!
وفي الطريق إلى الجنة ترى إب وذمار وكتاب ويريم و معبر !
تسير الرحلة مع الخلاف حول صوت الفنان ونوع الأغنية وكل ما يحدث في عالمنا البسيط !
كل شيء من ذلك تبدد !
لا أحد اليوم يسألك: من أين أنت غير أبو هاشم وأبو الكرار، لا أحد يجلس جوارك ويقول لك حين تكتمل الرحلة: الحمد لله على السلامة، كما ينطقها راغب علامة في أغنيته !
لا أغانيَ في السيارة ولا أحلام بين المسافرين!
هناك فقط خطابات الموت وألحان الكراهية!
وحين تجيب على الأسئلة تكون قد أصبحت سجينا!
ولديك أم تقف في الطريق تبحث عن الظلال، وتحمل لوحة لا تعرف ما كتب فيها
وتقول: ابني عندكم!