المستشفيات وكرامة الإنسان
الساعة 12:05 م

 

تتعدد مظالم هذا الشعب وتتنوع أشكال معاناته، وتجتمع عليه عداوة الغريب وقهر القريب، وكأنه لا يكفيه ما يطاله من حربٍ ظالمة على حدود وطنه ومنافذه وقصف يدمر كل جمالٍ فيه، فيسهم أهله في زيادة بؤسه ومفاقمة معاناته. 
المستشفيات الحكومية في صنعاء أحد أبرز ملامح هذه المعاناة؛ فعندما تلجأ تلك الأجساد التي انهكها المرض، وفاقت وطأة آلامها حد الاحتمال إلى أحد هذه المستشفيات، فلا يزيد ذلك على آلامه إلا الآمًا أخرى نفسية، ومعنوية، وجسدية، بسبب سوء القوانين فيها وعبثية أنظمة عملها ومحظوراتها، ناهيك عن لامبالاة موظفيها وعُنجهيتهم، وعجرفتهم، فيُشعرك الواحد منهم وكأنه صاحب المستشفى بأكملها؛ وليس موظفاً فقط، واجبه القيام بخدمتك حسب الحاجة. 


أما سوء التعامل والتمييز بين الأشخاص حسب مخزون جيوبهم وكرم أيديهم فحدث ولا حرج، فمن كان سخياً كريم اليد كان له حظٌ في تجاوز بعض هذه القوانين، أما الرعاية الفعلية والعمل الطبي المثمر فذلك أصبح بعيد المنال عنهم؛ مما يجعل الكثيرين يفضلون المستشفيات الخاصة وإن كانت تكاليفها باهضة، فمازال فيها ما يشعرهم أنهم بشر .


 أما ذلك المُعدم الذي قضت الأزمة وانقطاع الرواتب لأكثر من عام ونصف على ما تبقى من قدرته وامكاناته لمسايرة الموجة؛ فلا معين له غير ربه و دعواته ورغبته الحقة في الحياة .
 مرعبة هي كمية الاستهتار التي تبدو في مستشفيات صنعاء الحكومية بأرواح وكرامة الناس التي تعتبر أعظم الحرمات عند الله وعند العالمين . 
وموجعٌ مقدار الذل والمهانة التي تطال المواطنين المستضعفين البسطاء؛ الذين الجأتهم الحاجة، وفقر الحال، وضنك المعيشة إلى التشبث بأمل الحياة والراحة والشفاء في هذه المستشفيات، فلا بديل لديهم غير ذلك إلا انتظار الأجل.
أتذكر أننا مند نعومة أظافرنا عشقنا مهنة الطب، وحلمنا جميعاً بأن نكون أطباء؛ لِما كنا نرى فيها من إنسانية في تخفيف الآم الآخرين، وفي كون أصحابها ملائكة رحمة لكل الناس، ولكن عندما تصبح تلك الملائكة هي نفسها شياطين العذاب وكأنها تتفضل عليك بما تقدمه من أقل القليل وكأنك متسول على بابها تهبك ما ارتضته نفسها وتضنوا عليك بالكثير.
 نحن هنا لا نتكلم عن الأخطاء الطبية، أو التشخيصات الخاطئة، أو عدم توافر الأدوية والمستلزمات الطبية، أو تردي الخدمات العلاجية، نحن نتكلم من جانب إنساني محظ، يستشعر كرامة الإنسان، وابسط حقوقه.


كيف قد يكون شعورك وأنت تُحبس اسبوعاً كاملاً في غرفة لا تُضاء إلا بمصابيح الإنارة الكهربائية، لا تعرف الليل من النهار فيها؛ بحُجة أنك تحت الملاحظة والعناية ولا يُسمح لأحد من أقاربك بمرافقتك، ولا حتى بزيارتك، ولا بإدخال هاتفك الخلوي معك للتواصل مع العالم الخارجي .


كيف سيكون شعورك وأنت فيما يشبه السجن وأكثر؟ وأي أملٍ في الشفاء ترجوه في هكذا حال؛ حيث تغيب الخدمة الطبية الجيدة، والاحترام والتقدير لكرامة الإنسان، وحالته الصحية، والمعنوية، في ظل وطن يُطعن من الخارج، وينهشه سرطان النزعة التسلطية من الداخل.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً
كاريكاتير يجسد معاناة سكان تعز جراء الحصار
اتفاق استوكهولم
صلاة الحوثيين
الإغتيالات في عدن