سنوات الحرب في اليمن كانت وما تزال هي الأسوا بالنسبة لعامة الناس الذين ذاقوا الأمرين بسبب تدهور الأوضاع في كافة النواحي، في ظل غياب أي تحرك يمكن أن يحسّن من تلك الأوضاع التي تفشت بشكل واسع وأصبح بفعلها المواطن اليمني هو المتضرر والضحية بنفس الوقت.
في الجانب الإنساني هناك معاناة لا يمكن وصفها، معاناة عمقت من مأساة المدنيين الذين اكتووا بنار الحرب وجحيمها، وهذا يستدعي التحرك الفعلي على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، تحرك غير كل التحركات السابقة التي توقفت في المنتصف في ظل تراجع الجهود لدفعها إلى الأمام.
هناك منشآت حيوية توقفت، ومطارات تعطلت، وموانئ تعمل بشكل غير معتاد وطبيعي، إضافة إلى قطع الطرقات وحصار المدن كما يحدث في مدينة تعز المحاصرة منذ سبع سنوات، حيث يعاني السكان فيها من تبعات الحصار والحرمان من الخدمات، والتنقل بين إلى المحافظات المجاورة التي تكلفهم الكثير من الوقت والجهد والمال وكذا المخاطر.
عند الحديث عن هدنة او اتفاق او تسوية تبرز إلى السطح مدينة تعز المحاصرة ومطار صنعاء الدولي المتوقف، وربما الموضوع هذا أصبح ما يشبه المقايضة بين الحكومة الشرعية ومليشيات الحوثي مع انها تهم المواطن اليمني لا سواه، هناك غياب للثقة بين الطرفين، وهناك تعنت حوثي واضح يعيق التوصل لاتفاق ينهي حصار تعز ويعيد مطار صنعاء للعمل للتخفيف عن المواطنين وتجنيبهم عناء السفر إلى عدن بغرض السفر خارج البلاد.
الهدنة التي أُعلنت مؤخرا بوقف العمليات العسكرية في خطوة لتهيئة الظروف لبحث خيارات السلام والدخول في مفاوضات بين الحكومة الشرعية ومليشيات الحوثي كانت فرصة لتجاوز هذه العقبتين أي فك حصار تعز وفتح مطار صنعاء أمام الرحلات التجارية، لكن ثمة إشكاليات عدة لم يتفق عليها الطرفان فيما يتعلق بآلية تشغيل المطار والشروط التي وضعتها الحكومة لبدء تسيير الرحلات، وهو الأمر الذي يرفضه الحوثي بالمجمل،هذا يعيق أي جهود تبذل لتشغيل المطار.
في المقابل لم تثبت مليشيات الحوثي جديتها وحسن النوايا لرفع الحصار عن مدينة تعز، وليس لها أي تصور لآلية اتفاق يحدد كيف ومتى ستبدأ بفك الحصار في خطوة لتهيئة الأجواء وحلحلة نقاط الخلاف الأخرى، وهذا لم يحدث حتى اللحظة، ما يعني أن هناك تعنتا واضاحا من قبل هذه المليشيات التي تكابر وترفض أي جهود تخفف من معاناة المدنيين سواء في صنعاء أو تعز أو في المحافظات الأخرى.
لا يملك الحوثي أي حُجة تمكنه من التهرب من انهاء الحصار على مدينة تعز، وليس لديه أدنى وازع انساني حيال هذه المأساة التي يتجرعها سكان المدينة منذ سبع سنوات، وهو الحال نفسه يحدث بما يتعلق بمطار صنعاء، وهو ذاته يفتعل سلوكيات تعقد من تسهيل الإجراءات التي تم الاتفاق عليها مع الحكومة وبإشراف أممي، وهذا أيضا لا يعفي الحكومة الشرعية من التزاماتها في تقديم تسهيلات أكثر للمواطنين بما يخص جوازات السفر على سبيل المثال.
كانت دعوة مجلس القيادة الرئاسي للسلام واضحة، لكن الحوثي لم يقم برد مماثل لتأكيد جديته للسلام الذي يصب في مصلحة المواطن اليمني للتخفيف عنه عبء سنوات الحرب، ولعل قضيتي حصار وتعز ومطار صنعاء كانتا المعيار الحقيقي لمعرفة ما اذا كان الحوثي جاهزا لأي تسوية ساسية ويعتبر نفسه غير معرقل لأي مفاوضات تفضي لسلام دائم وشامل.
ما يلفت في هذا الجانب أن المنظمات الدولية المعنية بحقوق الانسان دورها أصبح باهت للغاية فيما يتعلق بحصار تعز واغلاق مطار صنعاء ، بل أكتفت ببيانات وتحولت فقط إلى مجرد شاهد على معاناة الناس، وهو نفس الدور الذي تؤديه الأمم المتحدة في تعاملها مع هذا الملف المهم للناس عامة،وهنا السؤال كيف سيستجيب الحوثي لهذه المبادرات في ظل تقاعس الأمم المتحدة وعدم تعاملها بحزم وجدية بهذا الموضوع؟
كان الإعلان عن الموافقة على فتح مطار صنعاء واعادة تشغيله وتحديد بدء موعد الرحلات بادرة خير استبشر الكثير من المواطنين هذا الإعلان ، لكن الأمر توقف وربما هو فشل جديد في تشغيل المطار،هذا التحرك قابله آذان صماء من قبل الحوثي عن إنهاء حصار تعز، وانتظر الجميع هذه الخطوة، هذا يلخص حالة الإصرار الكبيرة التي تضر بالناس ومصالحهم وحقوقهم التي كفلها الدستور اليمني.
كما أن ملف الأسرى الذي أعلن عن التوصل لاتفاق للافراج عن المعتقلين والأسرى من الطرفين لا يختلف عن ملف حصار مدينة تعز ومطار صنعاء الدولي نفس التحركات ونفس النتائج، لا جديد فيه ولم يحدث شيء، وهذا يراكم الملفات ويعقدها، ويجعل الحلول منعدمة مع كل حديث عن إمكانية تحريكها وحلها من أجل المصلحة العامة.
ما يمكن قوله مع استمرار هذا التعقيد إن الملفات التي تمس مصلحة المواطن اليمني لم تحظى بجهود حقيقية وكبيرة من الطرفين، وخاصة مليشيات الحوثي المعرقل الأكبر لجهود انهاء حصار تعز، وإعادة تشغيل مطار صنعاء، ومع كل هذا التعنت تتفاقم معاناة المدنيين ويزداد الوضع تدهورا وسوءا، في المقابل على الحكومة الشرعية والمجتمع الدولي التزامات يجب الايفاء بها من شأنها التسريع بالجهود للتغلب على العراقيل التي يدعي الحوثي انها تعيق حل هذين الملفين.
وفي حال استمر التعنت من الطرفين فإن المعاناة ستظل كما هي بل ستزداد، وسيكون له نتائج أكثر كارثية بعد هذه السنوات التي تجرع الشعب فيها مرارة الحرمان من الخدمات والتنقل بين المحافظات والأمن والأمان، وهذا سيضع الحكومة والحوثي أمام مسؤولية كبيرة حيال هذا الوضع المزري، وليس لهما خيار سوى اثبات النوايا في الاهتمام بكل ما يخص المواطن ويوفر له كافة المتطلبات والخدمات بما في ذلك الطرقات والمطارات الشريان الحي للمواطن اليمني على امتداد الجغرافيا اليمنية .
والسؤال الأهم هو ما الذي تبقى في هذه الحرب لم يطال اليمنيين خلال السبع سنوات الماضية؟