يعيش المواطنين في الجغرافية الخاضعة لنفوذ وسيطرة العصابة الهاشمية الحوثية ظروف إنسانية صعبة، وهذا الوضع الإنساني لم يكن ناجما عن الحصار الذي فرضته دول التحالف العربي كما تدعي تلك العصابة، ولكنه كان سياسة ممنهجة واعية وهادفة، يستثمرها ليس الحوثيون فحسب، وانما دول التحالف والولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية الراعية ومنظمة الأمم المتحدة لتحقيق أهداف سياسية.
لقد اتبعت العصابة الهاشمية الحوثية في المناطق الخاضعة لنفوذها استراتيحية المدخل الانساني، حيث عمدت هذه العصابة الى تدمير المنظومة الصحية، وانشاء اسواق سوداء، ونهب المساعدات الإنسانية وإعاقة وصولها، والامتناع عن دفع رواتب الموظفين، وتزامن مع كل ذلك نهب الأموال والايرادات العامة، ومصادرة اموال وممتلكات المعارضين والخصوم، وفرض اتاوات وجبايات على المواطنين بمسميات عديدة، وتعيين مشرفين سلاليين في مؤسسات ووزارات الدولة لادارتها واستلام المداخيل بما يحول دون تورديها الى خزينة البنك المركزي، كما جرى تغيير الخارطة المدنية والعسكرية والأمنية والاستخباراتية من خلال تعيينات سلالية وجماعات منتمية او موالية لها، اضافة الى ما سبق عملت على تغييب لمظاهر الدولة وتعميم الفوضى، بما يفقد المجتمع في تلك الجغرافية القدرة على الاحتجاج وفقا للقوانين، وبذلك تنخفض مطالبه السياسية نحو المطالب الحياتية المعيشية والوجودية، ومن جانب اخر يرتفع الضغط الأخلاقي والسياسي الدولي لايقاف العمليات العسكرية للجيش الوطني قبيل تحقيق الاهداف تحت مبرر الوضع الإنساني.
من هنا، دخلت تلك المناطق في أزمات مأساوية إنسانية ومعيشية دائمة ومستمرة، ويدرك اليمنيون ان مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية وبناء الدولة وإقامة حكم القانون وتوليد القيم الوطنية، غير موجود في قاموس العصابة الهاشمية الحوثية، ولا تمتلك هذه العصابة في جعبتها اي مشاريع غير مشاريع الموت والجوع والخراب والنزاع الدائم، وكل ما تسعى اليه لوضع يدها وتثبيت حكمها على تلك الجغرافية، هو منح الهاشميين السلطة والثروة وحرمان اليمنيين منها وتحيدهم واجهاض قواهم وجعلهم يعيشون على لعق احزانهم وجراحهم، حتى يبقون فاقدين السيطرة على أنفسهم ومشغولين بمطالبهم الحياتية المعيشية.
هل يعني ذلك انه لم يعد هناك أمل في اسقاط العصابة الهاشمية؟ أبدا، فقد أظهرت هذه السياسيات بوضوح المشروع الإمامي الهاشمي، وما نحتاجه اليوم، لمجابهة هذه العصابة، هو نقل المعركة إلى جبهات المجتمع المختلفة التي تجاهلناها في السنوات الماضية، وتوحيد الجماهير اليمنية من جديد على أرضية الصراعات المطلبية والمعيشية والسياسية اليومية والبعيدة، وقيادته لمواجهة التحديات الهائلة التي يواجهها، وابرزها: تبنى مشكلات الفقر والبطالة التي تضرب المجتمع، وقضايا الموظفين الذين فقدو رواتبهم، وكذلك مساندة السكان والموظفين والعمال وأصحاب المشروعات التجارية الصغيرة والمتوسطة والحرفيين التي قصمت الجبابات وغلاء الأسعار ظهر مواردهم، ودعم معنويات الافراد الذين ألحقوا بهذه العصابة، وايضا تبني مشكلة المعتقلين والتعذيب والموت في المعتقلات والمطالبة بإطلاق سراح سجناء الرأي والمخطوفين.
لن يتغير شيء لصالحنا، مالم نبادر نحن بانفسنا الى اخذ مصيرنا بأيدينا، وننجح في تقديم استجابات مختلفة ومبتكرة لمواجهة العصابة الهاشمية للخلاص منها، وايقاف التدهور الخطير المادي والمعنوي الذي نعاني منه، ويتطلب ذلك التقدم الى الواجهة واحتلال مواقع القيادة التي اصبحت فعليا شاغرة، فهذه العصابة لم يعد في جعبتها خيارات كثيرة للاحتفاظ بحكمها وسيطرتها، ونحن لم يعد لدينا الكثير مما يمكن ان نخسره.