(عادل محمد علي الكهالي) البالغ من العمر 43 عاما من مواليد قرية الشعب التابعة لمحافظة إب، أحد أرباب العلم، وحاملي الرسالة الإلهية، ومنشىء الأطفال، ومربي الأجيال، كان يعمل "عادل" مدرساً لمادة الاجتماعيات في مدرسة الشهيد البحم، مديرية القفر عزلة البحم يسكن في قرية دار الشعب، لكنه قرر كغيره من المعلمين أن يغادر القرية والسفر إلى صنعاء بعد انقطاع الرواتب بما يقارب 4 سنوات.
يحزم عادل حقائب سفره ويترك أولاده وزوجته على أمل ان تعود البلاد إلى السلم والحياة.
عيناه تملأهما الدموع لمن سيترك جيلاً كان له بمثابة شراع النجاه، كان له المرشد والملقن، لكن ظروف العيش كانت قد أجبرت "عادل" على أن يتخذ قراراً قاسيًا كهذا.
تغلب "عادل" على عاطفته، ورأى أن السفر هو طوق النجاة الوحيد، من أجل تأمين لقمة العيش له ولأولاده السبعة، لم يكن يدرك أنه توجه إلى عاصمة يسكنها الخوف والألم.
كل شيء يبدو لزائرها جميلا ولكن ماخفي كان أعظم فهي عاصمة الموت، تحيط بها الخيانة من جميع الجهات.
تسكنها الأحزاب والسياسات القذرة ترى شوارعها خضراء ولكن هل رأيت ذلك المجنون الذي يعيش في أرصفة الشوارع في الشتاء البارد.. وهل رأيت تلك العجوز التي لا بيت لديها ولا ولد.. وهل رأيت ذلك الطفل الذي يحمل الأعباء طوال يومه ليعود إلى منزله بشيء من العيش..
وهل رأيت ذلك الرجل ذو الجنبية اللامعة والشال المنقوش وهو يمشي بسيارة فاخرة يستمع إلى تلك الزوامل التي تتكلم وتوصف سيدهم ابن النبي كما يزعمون..! وهل رأيت تلك التجمعات في مولد الزهراء وهم يرددون صرختهم "الله وأكبر الموت لأمريكا والموت لإسرائيل واللعنة على اليهود والنصر للإسلام".. وهل رأيت تلك النساء اللاتي يرتدين الجلابيب؛ ألم تعلم أنهن يلاقين الكثير من رجال السيد سراً..! وهل رأيت ذلك الغناء الفاحش في الكثيرين ولكن من هؤلاء هم أتباع السيد وهل رأيت شابا يستيقظ في السادسة صباحا ليعمل بدراجته النارية التي لايمتلك في الحياة غيرها ويلحق دوامه في الجامعة وهل رأيت ذلك الشاب الذي يتغزل بجميع النساء صباحا ومساء في جولة الباصات وذلك الذي يقوم بجمع المواد البلاستيكية من القمامة ليشتري علاج لابنته التي ترقد في المستشفى "الجمهوري" تعاني من الفشل الكلوي..
هناك أشياء كثيرة تحصل من حولنا ياصديقي فنحن نعيش في كارثة لم يسبق لها مثلا..
نحن نعاني من سلالة طائفية إرهابية لاتعرف عن الدين شيئا..!
أشياء كثيرة لم تكن تعلم عنها ياصديقي فأنت كنت في همّ كيف تجمع مبلغا بسيطا كل شهر لشراء كيس القمح، وكيف ستدفع رسوم جامعة ابنك "مهيب".. لقد كنت تقضي الوقت مع رجال السيد وتستمع طيلة المقيل لحقهم الأهازيج وكم حرروا مناطق وكم باقي وكيف رجعوا إلى الله بعد قرائتهم لملازم الشهيد القائد "حقهم" كما يزعمون وكيف أصبحوا بعدها مؤمنين وأنه قال لايحق للمرأة أن تتعلم ولا يحق لها أن تتكلم..! و.....و....و....
ولكن أنت لم تكن منهم ولم تكن سياسيا أو شيعيا لقد كنت إنسانا يمنيا بسيطا.. إنسانا يدور في عقله كثير من الهموم على وطن انعدمت فيه كل سبل الحياة.. على وطن كان وكان.. وكيف أمسى الآن وضعه.. على بلد الحضارات السبئية والحميرية.. على بلد تغنى فيه "أبو بكر سالم" "من يشبهك من "..
على بلد قال عنها "الفضول" لمن كل هذه القناديل تغني لمن..؟!
لقد ذهبت إلى بيت الله تاركا كل هذه الأوجاع خلفك لتقضي ليلة خالية من الوجود.. لقد ذهبت فيها بلا عودة تاركا خلفك "مهيب" الذي طالما نصحته أن يكون وطنيا في وطن انعدمت فيه الوطنية.. ليتك تسمع أنين محبيك وصراخهم..
لقد أضربت أمك عن الطعام وصرخ أولادك بأعلى صوت.. لقد نادتك زوجتك ولم تجب.. لقد بكت ابنتك الرضيعة وأخوتك الذي لم يستوعبوا إلى الآن..
لقد حصلت لنا جميعا فاجعة مؤلمة ولكن أنت شهيدا في بيت الله هنيئا لك الشهادة سيقومون بتشييعك غداً سيجعلون سياراتهم الخاصة ذات اللون الأخضر وسيرفعون أيديهم ويرفعون أصواتهم بكلمات لايستطيع ا لجاهل تصديقها سيقولون "لبيك ياشهيد لبيك ياشهيد" ويقومون بتصوير قريتك الصغيرة الجبال والطرقات وبيتك الصغير وسيطلبون من نسائك أن يرددن الزغاريد وسيتوعدون آل سعود بأنهم سينتقمون منهم..!
وهكذا بريء يليه بريء.. شهيد تلو شهيد.. شاب تلو شاب.. ولكن الشعب لازال يصدق كل تلك الأقاويل كل تلك الأكاذيب..!
إلى متى سنظل أغبياء..؟ إلى متى ستتوجع قلوبنا.. ؟ إلى متى سنبكي بصوت منخفض..؟ إلى متى كل هذا...؟؟؟