هذا أنا فارغ من نياشين هذه الحياة .. تركت خطاي إلى صهوة المجد ثانية ، لأن الكرامة أثمن من طعنة في حياة الرفاق، و البقاء وحيدا أعز من الإرتقاء على أدمع الخائفين ، و الغياب أجل من الإنتصار و ليس لدي أمام الجموع سوى وطنيةٍ زائفة.
هذا أنا متعب بالبلاد .. فصوتي الذي كنت أرفعه في تلال المدائن لا زال يمنحني فسحة للبقاء ، و يسلب مني الذي كنته ذات يوم. تركت خطاي هناك على كل رابية ، و كتبت القصائد في ذكريات الرياح ، تنفست زرقة تلك السماء ، و دونت ذاك الغروب على كل يوم تلقف روحي ، و ها أنا ذا خلف هذه البحار ، أرتبني كل يوم لعل المسافات تنسى ، فأنسى بأني كبرت ، و أنسى الرماح التي سكنت خافقي ، و أنسى بأني نسيت.
يا حنين المرايا إلى جسد لم أعد أدرك الآن كيف ملامحه ، و لا أتذكر كيف تكسر خافقه حين مر ليبحث عن حلم شارد في الحياة. هذا أنا فارغ من أناي ، فلا زمن يجبر القلب ، و لا الف دهر يعيد اليك الذي كنته قبل أن يسكن الخوف ذاتك و الليل في ذكرياتك. فقدنا الدروب
التي سكنتها خطانا ، فقدنا الصباح الذي كان يمحو نشيج الليالي ، فقدنا البلاد التي أنطفأت فجأة في عيون الصغار ، فقدنا الكلام الذي كان يزجي الندى في الفؤاد ، فماذا تبقى ، و ليس لدي من العمر ما يسعف الآن روحي حتى أنام؟