يدلفُ اليمنييون الى العام الجديد ألفين وواحد وعشريم بحكومة جديدة ( أو مُجددة) لكن المُلاحظ أنه و عقب كل إعلان عن تشكيلة حكومية جديدة يبدأ اليمنييون التعبير عن تشاؤمهم و من ثم تحتد النقاشات لاسيما في مواقع التواصل الاجتماعي حول شخوص الوزراء وخلفياتهم، وهذا مُبرر بالطبع نظراً لخبرةِ اليمنيين الدائمة بالحكومات و الطابع العام لسوء إدارتها و كيف تنعكس فيها حالة تقاسم الكعكة، غير أن الكعكة نفسها باتت غير صالحة للأكل.
الجديد في الحكومة الأخيرة هو دخول المجلس الإنتقالي المدعوم إماراتياً والذي كان ينادي بإنفصال جنوب اليمن عن شماله كشريك رئيسي بخمس وزارات، وهو الذي صرح في أكثر من مناسبة ضاحكاً على عقول بعض البسطاء من أبناء المحافظات الجنوبية بأنه لم و لن يقبل ما دون المطالبة بانفصال البلاد كاملةً مهما عُرضت عليه من مناصب، وهو ما عبر عنه سابقاً أحد وجوه هذا المجلس قائلاً بلغةٍ عربية ٍ مُقعَّرة: لا خير فينا إن قبلناها؛ يعني هنا إن قبلوا ككيان سياسي ينادي بفصل أكثر من نصف البلاد بأن تنتهي كل مطالباته الضخمة بمجرد خمس وزارات بلا مقرات، لكن المهم هنا أن دخول الانتقالي ضمن تشكيلة الحكومة الشرعية و تأديتهم اليمين الدستورية أمام رئيس الجمهورية يعني سقوط مطلب الإنفصال إلى الأبد.
ويُتبقى فقط رفع الدعم الإماراتي المشبوه عنهم وسيعودون مواطنين يمنيين صالحين من حقهم أن يُمثلوا ككيان سياسي، و أي محاولة منهم للأبتزاز مجدداً باستخدام نغمة انفصال الجنوب ستكون خيان وطنية يتم محاسبتهم عليه وفق القوانين اليمنية النافذة.
منذ المبادرة الخليجية أصبحت التشكيلة الحكومية خاضعة لمبدأ المحاصصة الحزبية، وبالتالي فكل الكيانات السياسية الرئيسية ممُثلة في هذه الحكومة و تتشارك المسؤولية، إلا ان القوة عندما غرت الحوثي لم يقنع بما لديه و انقلب على الشرعية و استقل بما استطاع السيطرة عليه بقوة السلاح و بدون أي مشروعية لا داخلية ولا خارجية. بيد أن تجربة الحوثي يبدو أنها قد ألهمت بعض الإنتقالي المتواجدة قي أبوظبي خاصة مع وجود تاريخ قديم و مشترك بينها وبين الحوثي من أيام زيارات الضاحية الجنوبية و طهران، فحاولوا تكرار التجربة و الإنقلاب على الشرعية في عدن لكنهم لم يستطيعوا بل وتلقوا ضربة موجعة وجهتها لهم قوات الشرعية كشفت عجزهم و حسرة ممولهم الإماراتي الذي تدخل بضربة طيران غادرة أودت بحياة العشرات من جنود الجيش الوطني اليمني الذين وصلوا الى مشارف العاصمة المؤقتك عدن وانتظروا هناك لتوجيهات القيادة السياسية التي لم تُفق إلا على أصوات قصف الطيران الاماراتي لجنودها في أغسطس من العام الماضي إنقاذاً لموقف مليشياتها المنهزمة على الأرض.
حالةالحرب التي غذتها السعودية والإمارات ابتداءً و نفذها الحوثي ككيان موتور موهم بالقوة الزائلة والانتفاشة المؤقتة، أفرزت متغيرات جديدة فرضت نفسها على شكل النظام السياسي و بالتالي التشكيلة الحكومية، غير أن الأصل في الأمر أن تبقى المرجعيات ثابتة مهما تغيرت الأدوات، ونعني بالأدوات هنا شكل الحكومة او شخوص الوزراء.
يستند قرار تشكيل الحكومة اليمنية إلى الدستور اليمني النافذ و المرجعيات الُمقره في مخرجات الحوار الوطني والقرارات الدولية ذات الصلة، فمبادىء تمثيل الشمال و الجنوب و حصة المرأة في الحكومة تُعتبر متطلبات رئيسية أقرها اليمنييون في مؤتمر الحوار الوطني ولا ينبغي الخروج عليها مهما كانت الظروف، فالأصل العمل ضمن هذه المبادىء وترسيخها على الرغم من أي متغيراتٍ سياسية.
وبالتالي فهذه الحكومة هي حكومة شرعية مُعترف بها دولياً وهي الممثل الوحيد لليمن و اليمنيين داخلياً وخارجياً، و لا ينبغي- من وجهة نظر الكاتب- أن يقودنا حنقنا على الاداء السياسي الهزيل للوجوه المكرورة و الفاشلة فيها أن ننسى أن الأصل فيها ان تكون ممثلاً جيداً لنا كيمنيين و أن تعمل على ادارة المرحلة على طريق الوصول لإستعادة الدولة و تأديب الإنقلابيين و إنهاء الحرب.
بالتأكيد لا يمكن لأحد أن يحجرَ على افكار الناس وبالذات أبناء الجمهوريات الذين تكفل لهم قوانين بلدانهم حرية الرأي والتعبير و لا تعاقبهم على تغريدة في تويتر أو منشور في فيسبوك؛ ولكن أليس من حقنا أيضاً ان نعيد ترتيب أولويات خطابنا السياسي والإعلامي ولو مرحلياً تبعاً للمتغيرات،
فمادمنا في حالة حرب مفتوحة ومستمرة فإن خصمنا متربص بنا ويستشهد بنقمتنا على هذه الحكومة لدى اللاعبين الدوليين ليقنع العالم بأنها حكومة بلا مشروعية و أن المشروعية يجب أن تكون له كقوة على الأرض أخذت الناس رهائن لتفاوض بهم لتحسين وضعها الخاص.
ما أريد قوله هنا أننا ينبغي أن نعيد التفكير ما استطعنا و بشكلٍ مستمر في أولويات خطاب المرحلة ونوضح للقاصي والداني أن انتقادنا للحكومة الشرعية و هجومنا عليها هو رغبة منا في أن تقوم بواجباتها على أكمل وجه ولا يشبه بأي حال من الأحوال نقمتنا على أدوات المليشيا الحوثية التي اغتصبت الارادة الشعبية والتي تُعد بالنسبة لليمنيين خصم ينبغي مواجهته ومعاقبته من حيث المبدأ، فخلافنا مع الحكومة الشرعية خلاف سياسي ينبغي إصلاحه من طرف الحكومة، أما خلافنا مع الحوثي فخلاف وجودي و معادلة صفرية إختارها الحوثي حينما وضع نفسه في كفه و إرادة اليمنيين في كفه.