عن المملكة الأخيرة!
الساعة 08:31 م

 

كنت أنوي كتابة انطباع مختصر قبل أن أذهب بعيدا حول مسلسل عظيم لا يضاهى تابعته وتعرفت على عالمه ذي  السحر البابليّ الأخاذ وتملّكني الإعجاب به وغبت في غمرة سحيقة من الافتتان بمشاهده التي نزعت من نفسي الرغبة في مشاهدة أي عمل ادرامي آخر؛  لدرجة أني أكملت متابعة مواسمه الأربعة (36 حلقة) للمرة الثالثة على التوالي، بنفَس واحد من الإعجاب والانجذاب.

 مسلسل تاريخي بامتياز يسيح بنا في عوالم الصراع الديني الطويل بين الغرب المسيحي والشمال الأوروبي الوثني عبر الملك المؤمن ألفريد العظيم، وذلك الملحد الأسطوري الغامض أوتريد راغنسون، وقد نشب في محاورتهما صراع الهويات، والنشأة، والإرث، وتشابك الجذور، "إنني واحد واثنان معاً". 

 ولكن أبرز ما واجهني كان كيفية البداية فقد ألقيت القلم جانبا في لحظة من الحيرة.. هل أكتب عن مشاهد المعارك التي تم تنفيذها باحتراف، أم يستقطبني السيناريو المكتوب بدقة، أم أنني أنصاع لبراعة الممثلين وحواراتهم، أم أترك كل ذلك وألهث وراء جمال الأزياء والطبيعة الخلابة التي تستضيف  أحدث المسلسل.

ولكن النقطة التي حيثما يمّمت بوجهي ستكون حاضرة، هي تلك الصورة العامة  للمسلس الذي يضم ملاحم بطولية ويناقش بعمق السياسة والدين والحرب والشجاعة والحب والولاء ويستند على وقائع تاريخية في حلة من التميز  تبتعد كثيرا عن  مسلسلات الفانتازيا والحروب الممزوجة بالخيال.

لي مع الولع بالسينما حكاية أيما حكاية، وليست هذه المرة الأولى لي في مشاهدة المسلسلات، حيث تعوّدت متابعتها ومنذ مغادرتي لليمن.
 فللعام الخامس على التوالي لا يكاد يمر أسبوع دون مشاهدة فيلم أو مسلسل بكامل حلقاته، فالسينما حياة أخرى، عالم آخر يهش بعصاه السحرية على خيال الإنسان،.. وتتلاقى مع خيال ووجدان اليمني المفطوم منذ طفولته، على معايشة الأساطير..على الجمال.. على التاريخ .. على الحضارة.. على الصراع.. على التفاصيل المهمة التي تجري في أعماقنا ، ففي السينما مجال رحب ينطوي على التفاصيل الكثيرة التي تشمل المعاني المختلفة.. الحب والكراهية والخير والشر، المُلك، المجد الحرب، السلم. 

وعود على بدء، لا أدري لماذا أثار هذا المسلسل الإنجليزي شغفي تماما من بين كل المسلسلات التاريخية (المفضلة لدي) التي تابعتها على شبكة نتفليكس، فاستلّني من كل شيء خالصا له من دون غيره من الأعمال الفنية، وكم بإمكاني أن أسرد أسماء تلك المسلسلات التي ترتمي الآن  في مكان قفر من ذاكرتي، بعدما استولى المسلسل الإنجليزي على كل إعجابي، حيث إنه لا يوجد مسلسل قد أجبرني على إعادة مشاهدته لمرات عدة، كمسلسل (The Last Kingdom) ، المملكة الأخيرة، حلم إنجلترا.

المسلس إنتاج درامي فني ضخم، يشحذ المخيّلة، وينمي الوعي بالتاريخ، بطبيعة الصراعات حول الملك والقوة، والتي تتكرر منذ خلق الله الإنسان على الأرض، وهو صراع أزلي لا يتوقف إلا ليبدأ من جديد، .. مسلسل يقدم رسائله العميقة والبسيطة في آن، بجمالية الصورة المتحركة، ودهشة الحكاية.

 تدور أحداث العمل الدرامي  حول سلسلة "قصص ساكسونية" للكاتب البريطاني برنارد كورنويل، وتحديدا قصة الطفل أوتريد الذي وقع أسيرًا بيد الفايكنغ الدنماركيين عندما غزوا "بيبانبورغ"، وهي منطقة ساكسونية قديمة كانت تتبع لـ"نورثمبريا" البريطانية، بعد مقتل والده الملك، ليكبر أوتريد بين الفايكنغ الدنماركيين، وتقوده الأحداث إلى مملكة وسيكس ليصبح من الجنود الأوفياء الذين يعتمد عليهم الملك الإنجليزي ألفريد، في معاركه ضد الدنماركيين، وضد محاولاتهم المتكررة لاحتلال "وسيكس". الأمر الذي يؤسس لمرحلة الصراع بين الملك ألفريد ومقاتله الأسطوري الملحد أوتريد، رغم أنه يعتمد عليه كليا في التخطيط للحرب وحماية المملكة المتبقية والتي لم تخضع لقبائل الشمال الأوروبي الوثني..

ظل أوتريد جنديًا صادقًا رغم القسوة التي تطبع التعامل الذي يلقاه من الملك، وشكه المصحوب بعدم الثقة على اعتبار أنه وثني يحارب إلى جانبه ضد الدنماركيين، حيث مثل المنقذ للملك من جميع الهجمات التي كان يتعرض لها، ورغم كل ذلك تعرض للسجن والتشهير والزحف على قدميه والتذلل للملك أمام العامة حتى يعفو عنه وذلك بعد أن قتل راهبا أمام الملك استفزه بالإساءة لزوجته.

بعد فشل أوتريد في استعادة قلعة والدة "بيبانبورغ"، من عمه الذي يسعى لقتله، شعر باليأس وفقدان الأمل، جلس نجله إلى جانبه وقال له: إنه سأل والدته قبل وفاتها، فقالت: إنك قاتلت لأنك تؤمن بقضية ليست لأجل الرب ولا الآلهة  ولا لأجل السكسونيين أو الدنماركيين بل قاتلت للحفاظ على سلامة الناس الذين تحبهم لهذا السبب ستتحلى دوما بالقوة للنهوض عند سقوط الآخرين والمضي قدما عندما يقول الأشخاص من حولك إن الأمر ميئوس منه؛ لهذا السبب يحبك هؤلاء الرجال وسيتبعونك أينما ذهبت، وسافعل أنا أيضا.. كان مشهدا أسطوريا.. 

لا تكاد تخلو حلقة من الصراع بين الملك ومقاتله الأسطوري المخلص الذي يمتلك وجهة نظر نقدية حادة للمسيحيين ودينهم، نجدها في استهزائه الدائم من صلوات الأب بيوكا قبل كل معركة، رغم أنه جرى تعميده على يده ثلاث مرات، ولكن ذلك الصراع لا يخلو من الطرافة، فعندما غزت قبائل الشمال الدنماركيون مملكة وسيكس وهي آخر مملكة ظلت عصية على الغزو، التقى أوتريد مع الملك ألفريد - حينما كانوا يهربون إلى الأهوار (مستنقعات مائية تتخلها هضبات ترابية) للاختباء - على قارب واحد فقال أوتريد للملك : "أين كان مراقبوك وجواسيسك؟ كانوا جُثيّا على ركبهم.. كانوا يصلون بلا شك ، وسيكس سمحت لمحاربيها أن يقضوا وقتًا طويلًا يصلون، و(وضعت) مالًا أكثر في كنائسها"، بينما قال ألفريد عندما علم أن أوتريد شنق شخصًا لأنه سرق ثلاث مرات: "ليس عليك تصدير أفكارك الوثنية إلى مملكتي"، وهكذا هو جدل دائم لا يخبو غير أنه لا يباعد المسافة بينهما حيث يمثلان معاً في العمل رجلي الحكمة والحرب..

اما الحلقتان التاسعة والعاشرة من الموسم الثالث فما تخللهما من المشاهد والأحداث، كان فوق الوصف؛ لذلك لا أستطيع أن أتناولهما خوفا من لا أعطيهما القدر الكافي من الوصف المستحق

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً
كاريكاتير يجسد معاناة سكان تعز جراء الحصار
اتفاق استوكهولم
صلاة الحوثيين
الإغتيالات في عدن