تسوق الأقدار أحياناً صخوراً تتدحرج من أعالي الجبال لتهدم كل ما قابلها وتسحق في طريقها كل جميل، وعندما يصدر القضاء فلا مرد له، جماعة تم إحياء بذرتها على أيدي أعدائها التاريخيين وفقاً لدعواها على اعتبار أنه كل من عارض فكرة الولاية فهو عدو، وكل من حارب السلالية والحق الإلهي في الحكم مستحق الموت، وعلى ذلك يجب أن نبدأ بسرد الغرائب من أول صرخة للجماعة، كانت الموت لأمريكا وإسرائيل الأعداء البعيدون وفقاً لصراخهم والأعداء القريبين الرافضين لهم من كل اليمنيين نظام دولة وشعب هم في نظرهم الأعداء الحقيقيين بالأصالة.
إلا من أحيا الفكرة من قيادة الجماعة من اليمنيين ك محمد عزان والذي كان بوقاً لهم ومنظر وصديقاً حتى احترق، في جلسة مسائية له معنا قالها بصريح العبارة كنا نهدف إلى إحياء المذهب الزيدي والذي يطلق عليه الدكتور عبدالله الشماحي وكثير من الباحثين والعلماء فقاسة الإرهاب، لأنه لم يرِ اليمنيين عبر تاريخه سوى المعارك والمهالك والعذاب للديرة والمال والأهل ومعه عبدالكريم أحمد جدبان الذي راح ضحية عبارة قالها ضد الحوثية على منبر خطبة الجمعة وصالح هبره وغيرهم من مخازن عصور الظلام وهم ليسوا إلا يمنيين مصنفين عند الحوثيين السلاليين مجرد أتباع ليس لهم في الحق نصيب.
هؤلاء هم أوائل الزُراع تبعها دعم نظام صالح لهم واعتماد المبالغ التي تقوي نشاطهم المحموم في استعادة الحق الإلهي المزعوم، الذي ثار عليه اليمنيون يوماً كي يعيشوا أحرار في أرضهم، غير أن الروح الثورية المنقوصة عند البعض أبقت على خيوط الصلة معهم حتى أحيت رميم العظام بعد أن أصبح تراباً تذروه الرياح وتلك أوائل غرائب الأدوات لتسهيل رجعة السلالية والكهنوت لليمن الحر.
تم تسليم الألوية بسلاحها المختلف وبيعت لهم الذخائر من مخازن الجيش الجمهوري من قِبَلْ بعض مرضى النفوس وعديمي الوطنية إبان الحروب الست، كما روى الرئيس هادي في أحد تصريحاته حول دعم الحرس الجمهوري لهم نكاية بالخصوم، الذي امتُهنَ وسُحِقَ لاحقاً منهم بعد أن كان مصدر دعمهم وتلك الأداة التي لم يصدقها أحد إلا بعد ذوبان الثلج وانكشاف ما اختبأ تحت المروج.
الأداة الثانية كانت توسع هوة الخلاف بين أقطاب صفوف النظام الجمهوري، وخلاياهم تفرخ بينهم ومن خلالهم وتضخمت بعد تراكم الأحقاد عقب أحداث 2011م الأمر الذي فتح أبواب التمدد من مران إلى صعدة ومنها إلى محافظة الجوف وباتجاه عمران وحجه بتراخي من صناع القرار في صنعاء وتفكيك عرى المجتمع من قبل أصحاب النفوذ الحاقدين خارج السلطة.
أليست هذه أدوات يمنية مجانية دحرجت الصخور من أعالي الجبال؟ لحقتها عندما بلغ الأمر أشده أيادي قوى خارجية كانت تحسبهم مجرد أدوات للتخلص من بعض القوى التقليدية الدينية والقبلية في اليمن، جاهلين مرامي الجماعة ومخططهم التاريخي الكهنوتي والذي لم يُظهروه على السطح حينها من باب استخدم التُقية في استسخاف الخصوم وإغوائهم عن معرفة حقيقتهم وعن مدى خطر الكارثة الذي أحاق بالجميع في الداخل وعلى الدول المجاورة.
سقطت رابع عاصمة بيد إيران كما صرحت حكومتهم، أفاق الكل على هول الخطر الحال القادم وفداحة الكارثة، إيران باتت في عدن وصنعاء والحديدة وإب يا لهول الجائحة وعلى تخوم تعز كبرى المدن اليمنية وقلب المجتمع اليمني ومن ورائهن مدن الجبال البعيدة كلها سقطت.
حتى في عدن كان إذا وقف أحد الناس في أي منبر ديني أو جماهيري لانتقاد الحركة الحوثية يقف له الجميع ويخرسونه في منبره كي لا يتحدث عن رسل العدالة الاجتماعية والسلام حسب ما زعموا لأنهم اعتقدوا أنهم المنقذين لهم !! وتلك أحد الأدوات التمهيدية التي أسقطت العند ومن بعده لحج وأدخلتهم إلى قلب عدن الباسلة.
المبعوثين الأمميين كأدوات إضافية مارسوا مهامهم خارج سياق فهم اللعبة والهدف والمعتقد التاريخي لتلك الجماعة، بقصد وهو خدمة أجندة حملوها معهم دون علم اليمنيين، أو بدون قصد جهلاً منهم بحقيقة الصراع التاريخي العرقي المذهبي الذي عانى منه اليمنيون أزماناً وأدهار، فكانوا أدواتاً ناعمة لتمرير بعض الاتفاقيات والحلول المدمرة حتى باتوا في موضع الشك والتهمة لدى القاصي والداني من اليمنيين ومن أراد تحريرهم من جحيم الحرب التي أحاطت بهم.
فساد المنظمات الدولية واستغلالها لمآسي الشعوب كان حاضراً بقوة، لأنها تصادر نصف ما خُصص للإغاثات وتمكين الميليشيات من توزيع النصف الآخر من المساعدات حتى أثرت منها واشترت بها الولاءات ووزعتها على أنصارها وعوائل قتلاها دن باقي المحتاجين، فكانت الأداة الأخطر وقعاً على المواطن والأجدى نفعاً للانقلابين الأمر الذي زاد انتشارها وحقق لها من أموال خصومها ما آثار الغرابة والذهول عندما بانت الحقيقة وانكشف أمر المنظمات اللا إنسانية.
أما غياب الشرعية عن أرض الوطن جعل الأجانب يتعاملون مع من هو على الأرض ويشِدون إليه الرحال ويتعاملون معه برسمية واهتمام أكثر من ممثلي الشعب وحاملي قضيته لأن الأجنبي لا يحسب إلا حساب الحاضر والثابت والمسيطر على زمام الأمور وفي العاصمة صنعاء التي أُخرج منها الجميع قسراً دون ولم يصنعوا المستحيل والعمل على استرجاعها.
الأداة الأخيرة تتمثل في السفينة التي اختل ربانها بعد فقدان الشراع تسوقها الرياح حسب المواسم والمصلحة دعاة الانفصال الذين يسعون اليه بحجة المظلومية الأمر بات بأيديهم دون منازع بداية برئيس الجمهورية حتى آخر سلالم الوظيفة العامة، ولو كان الحق معهم لتغلبوا، غير أن الحق مع غالبية الشعب الذي يريد لليمن التحرر من ظلم القرون ماضيها وحاضرها شماله وجنوبه والانعتاق من كل العصابات الخارجة عن القانون والحاملة لمشاريع تتصادم مع مقتضيات العصر وطموحات الشعب اليمني من المهرة حتى صعدة.
وأخيراً لم تمتلك الحوثية أي أداة من أدوات البقاء لولا الأدوات التي صنعتها الأقدار من خارج الفكر والهدف والجغرافيا ولولاها لما استمرت أيام قلائل.