صديقتي المقيمة خارج اليمن والتي تنقلت بين دول كثيرة واستقرت في القاهرة ترى في مأرب مدينة غير صالحة للحياة .
ربما أعذرها فهي لم تعش أربع سنوات تحت حكم الحوثيين كي تعلم كيف أننا نرى ملامح دولة في مارب؛ لم تعايش اختفاء أبسط حقوق المواطنة وأدنى متطلبات الحياة من كهرباء وماء وغاز وأجور موظفين تحت حكم المليشيا التي استباحت كل شيء .
نمط الحياة التي اعتادته والذي توفرت فيه كأقل ما يمكن لقمة العيش والأمان؛ لا يشبه صورة الحياة الصعبة في مارب .
قراءة أخبار مآسي اليمنيين في مواقع التواصل لا يشبه معايشة القتل اليومي والرعب الذي يسكن الناس في كل لحظة على أنفسهم وأولادهم وحياتهم المهدورة بلا نظام أو قانون .
الطبيعة القاسية لأجواء مأرب؛ من شدة الحر بلا تقنية كافية لمغالبته؛ والغبار الذي نتنفسه بدلاً من الهواء؛ والغلاء الفاحش الذي يحاصر البسطاء؛ وكون مأرب أقرب لمنطقة عسكرية على مشارفها تقع المعارك .
كل هذا أعطى لها صورة مروعة لتصدر حكما قاسيا أن مأرب مدينة لا تنفع للحياة ..
ربما مارب تبدو صحراء بائسة لأولئك الفارين إلى جنات الفنادق والمكيفات والحدائق والمطاعم الباذخة؛ لعشاق البكائيات الخادعة عن الاغتراب والحرمان من وطن خلفوه وراء ظهورهم لأنه أصبح كوكب ملتهب ومناطقة الآمنة غير صالح للحياة الناعمة .
لكن مأرب بالنسبة لنا فردوس الوطن المفقود كيفما كانت .
هي أملنا ونموذج لمشروع دولة نسعى أن يعم اليمن كله؛ يكفينا خلوها من داء العصبية والمناطقية؛ يكفينا ذلك الأمان وحرية الرأي فلا قمع ولا معتقلات .
يكفينا إخلاص وصدق سلطانها العرادة في إداء عمله وترحيبه بكل النازحين الوافدين .
مأرب هي الرهان وينبغي ألا تفشل فبفشلها سنخسر الأمل في إقامة دولة حقيقية ..
ينبغي على القيادة المدنية في مأرب أن تسعى بكل طاقتها لتأسيس وخلق مدينة تفي حاجة السكان الذين يتزايدون كل يوم .
هي طوق النجاة الذي تعلق به الآلاف وأي ثقب فيه سيغرق مشروع الدولة بأكملها .
كل ما ينقص مأرب هو خطة واضحة لرفع الوعي الحضاري المدني والأخذ بيدها نحو التطور بعد التهميش والاستغلال لمواردها .
فمواردها تصل إلى مالية المحافظة بانتظام لكنها تفتقد التصريف المناسب لها واستغلالها في التنمية والعمران المنظم .
الدولة في مأرب ممثلة في السلطان العرادة ينبغي عليها ألا تترك الحبل على الغارب لأصحاب رؤوس الأموال في الاستثمار العشوائي الذي يستغل حاجة الناس .
إن إخلاص قيادة مأرب ممثلة بالسلطان العرادة كفيل بتحسين أوضاعها في فترة قياسية لو أولت الاهتمام لمناشدات المراقبين وملاحظاتهم حول ما يجري في مأرب .
ينبغي علينا كمثقفين وإعلاميين وصحافيين ووطنيين أن نلتف حول قيادة المحافظة والشد على أيديهم ومطالبتهم بتحسين المسار وترك الارتجالية في إدارة المحافظة .
يجب أن تنجو سفينة مأرب وتبحر ولو في صحراء قاحلة فعلى ظهر هذه السفينة وعلى عاتق محافظها يكون حلم الوطن بأكمله .