الفشل السياسي الذي أودى باليمن
الساعة 05:49 م
br /> كان للتخادم والتماهي القبلي الحزبي في اليمن انعكاسات سلبية كارثية أثَّرت على مجريات التجربة الحزبية والسياسية الوليدة في اليمن الجمهوري الديموقراطي النامي، الكيانات التي مثَّلتْ بارقة أمل الجماهير، للخروج بهم من غياهب حياة التيه واللادولة إلى حياة باقي الأمم والدول التي نقترب من تجاربها وإن بعدت عنا المسافات وزادت مشقات التواصل والسفر.
 إضافة إلى تصادم الدول المجاورة مع منهجية الحكم الجمهوري الديموقراطي اليمني، والتي كانت بمثابة العائق الآخر لنجاح تجارب اليمن السياسية والديموقراطية خوفاً من تأثُر شعوبها بأحداث اليمن الجار اللصيق بهم جغرافية ديناً وعِرق، التحمت القوى الدينية والقبلية مع من عاد من فلول الإمامة بعد اتفاقية الصلح بين اليمنيين راكبة موجة تديُن المجتمع الحريص على قيمه الدينية بالأصالة، والتي استُغلت أسوأ استغلال عقب ثورة السادس والعشرين من سبتمبر لمحاربة القوى القومية واليسارية بحجة الدفاع عن الدين وحماية العقيدة، القوى التي كانت تحمل مشروع بناء دولة على إثر الزخَم والمد الثوري التحرري في الدول المستعمرة وذات الأنظمة الاستبدادية.
 الأمر الذي أعاق بلوغ الثورة غايتها وتحقيق أهدافها والتحول الديموقراطي المرتجى والنظام الجمهوري المنشود حتى دب يأس الجماهير أمام مشهد انكسار الموج الثوري وتفكك قواه وتسلل عناصر الإمامة إلى هيكلية بناء الدولة من جديد لتعيده إلى مربعه الأول.
ذلك في شمال الوطن ومثيله الحالة كانت في جنوبه، تسنم مقاليد السلطة الحزب الاشتراكي وانفرد بها نظام الحزب الواحد  الذي طغى بايديولوجيته اليسارية على كل قيم المجتمع وموروثاته الفكرية الاجتماعية والدينية، إلا أن المكونات القبلية والمناطقية التقليدية شكَّلت في طياته أجنحة صراع خليط سياسي مشوه داخل مكونات الحزب الواحد في جنوب اليمن حينها، تمثلت بصواعق انفجار ووقود لإشعال الصراعات الدورية بين أجنحته المتصارعة على الدوام، حتى اندلاع  كارثة أحداث يناير 1985م  والتي أصابته أي الحزب في مقتل تشظى على إثرها شمالاً وجنوب، حتى وصل في مسيرته إلى آخر معاركه الخاسرة، حرب صيف 1994م إلا أنه عاد بحسب توصيف الصحفي الكبير عباس غالب إلى المعترك السياسي بعد الهزيمة " وئيداً ولكن أكيداً " فعلاً أصيب لكنه لم يمت.
ذلك لأنه لم تستطع سنوات التجربة الحزبية القصيرة اقتلاع موروث صراع مذهبي مناطقي جهوي من قلوب الكثير من منتسبي الأحزاب قيادات وقواعد.
 الأحزاب الكبيرة والطاغية منها تحديداً على ساحات اليمن الكبير وما إن تبرز خلافات في طريق مسيرته بين شباب أو قيادات الأحزاب إلا وتَشْتَم روائح من ذلك القبيل أبرزها صراعات الحزب الاشتراكي قبل الوحدة والتمايز بين كوادر قيادات المؤتمر الشعبي العام طيلة توليه مقاليد السلطة وكذلك مسيرة حزب التجمع اليمني للإصلاح وتصدر قيادته شخصيات مشائخية تؤمن بكيان القبيلة كقوة مؤثرة رافعة لهم، أكثر من إيمانها بالحزب كقوة سياسية مجتمعية حضارية، تكتسب قوتها من قواعدها وأدبياتها التنظيمية ومشروعها السياسي الذي يعبر عن تطلعات الشعب دون تمييز على أي أساس من أقصى اليمن إلى أقصاه.
 عمق ذلك الفشل تمثل في تحالُف قطبي الحزبية  الكبيرين " المؤتمر + الاصلاح" في مراحل مواجهة القوى القومية واليسارية وكبح جماحها، فتأذت منه أ كثير الأحزاب المعارضة حتى  أُكل ثور الإصلاح الأسود كما أكل ثور باقي الأحزاب الأبيض، في مرحلة من مراحل الصراع القاسي، والذي لم تمكنه طبيعة الصراعات السياسية البرجماتية من الاستمرار حتى استقوى المؤتمر الشعبي العام تحديداً بعد حرب صيف 1994م ظهر بعدها زعيمه صالح في حفل خطابي في تعز مصرحاً علناً أنه استخدمهم ككروت انتهت صلاحياتها،  فبدأت عرى الشراكة بالتفكك تدريجياً عند تشكُّل تكتل أحزاب اللقاء المشترك،  تكتل لأحزاب المعارضة الرئيسة في اليمن في 6 فبراير 2003م لمواجهة خيول المؤتمر الجامحة، بلغت مداها بعد انفجار ثورة الشباب في يناير 2011م.
وبالرغم من استمرارية وتماسك ذلك التكتل لفترة إلا أن الشكوك وعدم الثقة بين أطرافه كانت تظهر من حين لآخر رغم ضخامة كتلة خصمهم السياسي العسكرية المادية والسياسية التي بدأت بالانهيار عقب تسليم السلطة للرئيس هادي وظهور تحالفات وخصومات تجاوزت شرف ومبادئ الخصومة لأنها باتت تجري عكس تطلعات جماهير الشعب بكل أطيافه السياسية تحالف صالح مع عصابات الحوثي للانتقام من خصومة في بادرة لم تعهدها التحالفات السياسية من قبل، لأنها كانت بين حزب عريق وعصابات لا تحمل في جعبتها أي مشروع لبناء دولة عدا الحقد المبطن للجميع ومفهوم الحق الالهي في الحكم والاصطفاء العرقي وطغيان السلالة الهاشمية الأمر الذي هوى بكل الشعارات البراقة التي اندرست بعد اجتياح  صنعاء بتواطؤ مكشوف.
الكارثة التي لم يتوقعها كل أطراف الخصومة لأن بعض الأحزاب كانت في حالة تغازل وأمل موهوم معها وذلك أن العصابات الفارسية ستأتي لإزاحة بعض القوى وستعود إلى قواعدها في كهوف مران ما أكده البعض أن  ذلك  التماهي وثقه اتفاق مبرم بينها وبين قوى داخلية وخارجية لتنفيذ الأجندة،  خيبةً أصابتها وهي ترى الدعم الإيراني يتدفق أسلحة وأموالاً جواً وبحراً مكسياً بصور ملالي إيران في خط المطار والمظاهرات الحوثية فكانت سكاكين قطن إيران الناعمة أحدّ من ذكاء عقول كل ساسة اليمن والإقليم قاطبة  لأنهم أفاقوا على رابع عاصمة عربية تسقط بيد إيران وهي بعيدة، فجأة أحس الجميع قوى داخلية وإقليمية بالخطر محدقاً بهم من كل جانب، دفع الشعب اليمني ثمن ذلك الفشل الذي اقترفه الكل دماًء دمارًا وأرواح.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً
كاريكاتير يجسد معاناة سكان تعز جراء الحصار
اتفاق استوكهولم
صلاة الحوثيين
الإغتيالات في عدن