كنت في مطلع هذا الأسبوع على موعد مع قرار جميل وهو السفر إلى أفغانستان.. فقد أزمعت أمري وكنت على أهبة الاستعداد وملء خاطري التفكير حول المظهر العام لهذا البلد الذي لا أكاد أعرف عنه شيئا سوى ما علق في ذاكرتي من صورة نمطية متعلقة بحركة طالبان والحرب الأمريكية بفعل قراءة الأخبار اليومية..
وفعلاً انطلقت في رحلتي ميمّماً شطر كابول، يحدوني اشتياق كبير، ووَلع بالتعرف على هذا البلد عن كثَب، لأصل إليه من دون شراء تذكرة سفر أو حجز غرفة فندقية، فما هي تفاصيل القصة إذن!
في الحقيقة كانت رحلة ممتعة أعود لأؤكد أنها لم تكلفني ريالا واحدا، كما أن المفارقة أنني ما برحت غرفتي بمدينة الدوحة الحبيبة...ولكنني بلغت الهدف المنشود وأقلّتني وسيلة من نوع خاص إلى بلاد (خراسان) أفغانستان، ويا للدهشة عندما بدأت أقلّب النظر في جهاتها وأنحائها مشدوها في ذهول، أحقا أنا على مهادها....كم أنا محظوظّ
طبعا الرحلة كانت بفضول معرفي بحت، ورغبة في التعرف على مآسي الحروب في المجتمعات التي أعتقد شخصيا وجود تشابه بينها واليمن إلى حد ما، من خلال التشابه في ما يتعلق بالجماعات.. والأحداث... والأطماع الخارجية.. والأجندات الإقليمية والدولية....
بدأت السفر من ضفاف بحر مترامي الأطراف (قوقل) وما هي إلا هُنيهه حتى كانت أناملي قد كتبتْ عبر (الكيبوورد) الكلمات المفتاحية التي كانت زورق الإبحار، وذلك للبحث عن أهم كتاب عن وجهتي في الرحلة، في الحقيقة ظهرت لي كتب كثيرة سياسية و تاريخية، غير أني أميل دائما للكتب أو الروايات التي تحمل طابعا إنسانيا، وتعالج هموم النفس البشرية، لأنها تنتزع مني إحساسا شديدا وحزنا عميقا بمحتواها، إذ أن بعض الروايات تجعلك تعيش الواقع والأحداث بتفاصيلها ، بعكس الكتب السياسية أو التاريخية التي تجد فيها نوعا من النمطية والجدية والنقل البارد للأحداث دون معايشتها، هذه وجهة نظرٍ لا أسقطها على الكل، إنما هي رأيي الشخصي والناس مذاهب وأذواق.....
لقد وقع اختياري على رواية (عداء الطائرة الورقية) أو (The Kite Runner) في عنوانها الأصلي، وهي رواية كتبها الطبيب الأمريكي ذو الأصول الأفغانية خالد حسيني، صدرت في عام 2003، وتصدّرت قائمة صحيفة نيويورك تايمز للكتب الأكثر مبيعاً لأكثر من عامين، بعدما بيعت منها أكثر من سبعة ملايين نسخة في الولايات المتحدة الأمريكية لوحدها بحسب العارف بشؤون العالم من لا يبارى في التفاصيل السيد قوقل ، كما أن الرواية تم تحويلها إلى فلم إنتاجي عام 2007.
وبعدما سرحت بعيدا في أفغانستان فتجولت في طرقاتها واحتسيت الشاي في مقاهيها اقتنعت أن هذا الكتاب ليس رواية عادية، إنه ملحمة تاريخية أدبية آسرة ترسم لك صورة واسعة وحقيقية لكل ما حدث ويحدث في أفغانستان ، ابتداء بسقوط النظام الملكي مرورا بالاجتياح السوفيتي وانتهاء بالصراعات الطائفية وصولاً إلى سيطرة طالبان .. وحتى دخول الجيش الأمريكي إليها...تأخذ بيدك وتطوف بك في جولة تعريفية بكل هذا..
لقد حفلت الرواية بتناول الروابط والعلاقات الإنسانية عموما، بالحديث عن الأخلاقيات عن القيم، عن الماضي الذي يظل يلاحقنا مهما حاولنا الهروب منه..
ومن مقتطفات الرواية القصة التي واكبت طفلين ينشآن في بيت واحد لكنهما من بيئات مختلفة ف"أمير" هو ابن رجل أعمال ثري، أما حسن فهو ابن الخادم الذي ينتمي إلى الهزاره الأقلية العرقية المنبوذة.
تخوض الرواية في تفاصيل طفولة الولدين، وعلاقاتهما وكيف كانت أوجه الصداقة الحقيقية والتضحية، خاصة حسن الطيب الذي جسد أسمى معاني الوفاء والطيبة والتي عبر عنها الكاتب بقوله "إنه وفي، وفي ككلب".
ومني برقية إلى حسن في رواية (عداء الطائرة الورقية)... اعتذر لك بالنيابة عن أمير لقد كنت المثال الحقيقي للنضال والوفاء والحب..أحب طيبة قلبك ووفاءك..