وصلت مساعي تشكيل الحكومة اليمنية إلى طريق مسدود، بسبب خلافات بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة اليمنية حول تطبيق بنود اتفاق الرياض، الذي رعته السعودية ضمن جهود تهيئة الظروف لاتفاق سلام شامل ينهي الحرب في اليمن.
وثمة خلافات عميقة في المعسكر الموالي للحكومة اليمنية، فالقوات التي يفترض أنّها موالية للحكومة في الجنوب الذي تتخذ الحكومة المعترف بها منه مقرّا، تضم فصائل مؤيدة للانفصال عن الشمال. وكان الجنوب دولة مستقلة قبل وحدة اليمن سنة 1990.
ويأتي هذا بانسداد ينذر بعودة طرفي الصراع إلى مربع التوتر في المحافظات الجنوبية، وهو ما يشكل نكسة لجهود رأب الصدع ويمثل فرصة من المتوقع أن يستغلها الانقلابيون الحوثيون المدعومين من إيران.
وتبادلت الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي الاتهامات حول انتهاك اتفاق الرياض ومحاولة إفشاله، فيما يستمر كلا الطرفين في التحشيد العسكري في أعقاب الموجهات التي شهدتها مدينة أحور.
وكان المجلس الانتقالي الجنوبي قد جدد السبت التزامه بمضمون اتفاق الرياض، فيما اتهمت الحكومة اليمنية المجلس بالتصعيد وعرقلة الاتفاق، مؤكدة بدورها التزامها بالاتفاق.
ويرى محللون سياسيون يمنيون أن الخلافات بين الطرفين فيما يتعلق بتفسير بنود الاتفاق، تشير أن تنفيذ أسس الاتفاق وخاصة الشق الأمني والعسكري منها، سيكون بالغ الصعوبة والتعقيد في ظل رهان بعض الأطراف الرافضة للاتفاق على استغلال الوقت وإفراغ الاتفاق من محتواه.
ورعت السعودية اتّفاقا لتقاسم السلطة بين الطرفين لتجنّب "حرب أهلية داخل حرب أهلية"، وقّعته الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي في الرياض في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
ونصّ الاتفاق على تشكيل حكومة كفاءات سياسية تتكون من 24 وزيرا يعين الرئيس أعضاءها بالتشاور مع رئيس الوزراء والمكونات السياسية، على أن تكون الحقائب الوزارية مناصفة بين المحافظات الجنوبية والشمالية.
وعاد رئيس الحكومة معين عبدالملك إلى العاصمة المؤقتة الاثنين قادما من الرياض، ولكن لم يتم تشكيل أي حكومة جديدة رغم انتهاء المهلة الزمنية لذلك في الخامس من ديسمبر/كانون الأول الحالي، بحسب الاتفاق.
الجدول الزمني لتطبيق اتفاق الرياض كان دوما طموحا للغاية ولم يكن من المفاجئ أن نرى عدم الالتزام بالموعد المحدد
وبحسب الباحثة في شؤون اليمن في جامعة أوكسفورد إليزابيث كيندال، فإنّ "الجدول الزمني لتطبيق اتفاق الرياض كان دوما طموحا للغاية. لم يكن من المفاجئ أن نرى" أنه لم يتمّ الالتزام بالموعد المحدد.
وتقول كيندال "السؤال الأكبر هو؛ هل تأخرت هذه الوعود أم أنها في نهاية المطاف غير قابلة للتحقيق؟".
وكان المتحدث باسم المجلس الانتقالي الجنوبي نزار هيثم اتّهم الحكومة اليمنية بـ"الخروج عن نص الاتفاق ومن ذلك عملية التحشيد المستمرة باتجاه الجنوب"، الأمر الذي نفته الحكومة.
رغم ذلك، تحدّث مصدر في المجلس الانتقالي الجنوبي نهاية الأسبوع الماضي عن "تقدم كبير" في تنفيذ الترتيبات العسكرية والأمنية الواردة في اتفاق الرياض.
وقال "اعتبارا من الأسبوع القادم، ستبدأ الخطوات التنفيذية لما تم التوافق عليه".
في المقابل، اتّهم المتحدث باسم الحكومة اليمنية راجح بادي في بيان الانفصاليين بـ"محاولة عرقلة اتفاق الرياض".
وأكّد بادي أن السلطة تقوم بتحركات عسكرية في الجنوب "تتوافق" مع بنود اتفاق الرياض وتأتي بالتنسيق مع التحالف بقيادة السعودية.
ووفقا لكيندال، فإنه على الرغم من تراجع حدة الاشتباكات في الجنوب، الوضع على الأرض ما يزال هشا.
وتوضح أنها "مسألة تتعلق باتفاق من السهل التوقيع عليه ولكن من شبه المستحيل تنفيذه".
الحوثيون أول المستفيدين من فشل تشكيل حكومة تنهي مأساة اليمن
ويرى محلّلون أن الخلافات داخل معسكر السلطة تضعف القوات الموالية لها في حربها ضد الحوثيين.
ويشكّل عدم التقدم منذ اتفاق الرياض ضربة للذين رحبوا به كخطوة أولى لإنهاء الحرب في اليمن التي قتل فيها آلاف وتسببت بأزمة إنسانية تصفها الأمم المتحدة بأنها الأسوأ في العالم.
ويقول الخبير في شؤون الخليج نيل بارتريك "اتفاق الرياض وضع مجموعة من المواعيد النهائية التي تتوقف على مصداقية تامة من أطراف يمنية مختلفة للغاية في رغبتها وقدرتها على تقاسم السلطة في عدن".
وبحسب بارتريك، فإن "تعليق الآمال على صمود اتفاق تقاسم السلطة في عدن طموح للغاية".
في شوارع المدينة الساحلية الجنوبية، يشعر السكان بالاستياء وخيبة الأمل.
وقال محمد باوزير وهو من سكان عدن "لم نشاهد أي تغيير على أرض الواقع"، مضيفا "للأسف فإن الوضع يصبح أسوأ فأسوأ".
وتدور الحرب في اليمن بشكل رئيسي بين المتمردين الحوثيين المقرّبين من إيران، وقوات موالية للحكومة المدعومة من قبل تحالف دعم الشرعية العسكري بقيادة السعودية والإمارات، منذ أن سيطر الحوثيون على مناطق واسعة في البلاد قبل أكثر من خمس سنوات.
ويسعى الحوثيون خدمة لأهداف إيران المزعزعة لاستقرار المنطقة، إلى تقويض جهود السعودية في دعم السلام والاستقرار في اليمن وإنهاء المأساة التي يعيشها الشعب اليمني منذ سنوات.
وتسعى السعودية لتوحيد الصف بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، وتعزيز وحدة الصف اليمني في مواجهة اعتداءات ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران.
وشهد جنوب اليمن في أغسطس/آب معارك بين قوّات مؤيّدة للمجلس الانتقالي الجنوبي وأخرى موالية للحكومة اليمنية، أسفرت عن سيطرة قوات المجلس الانتقالي الجنوبي على مناطق عدّة أهمها عدن، العاصمة المؤقتة للسلطة المعترف بها منذ سيطرة المتمردين الحوثيين على صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014.