تكشف مصادر يمنية، لـ"العربي الجديد"، عن عودة الخلافات بين أطراف داخل الحكومة وخارجها بخصوص عدد الأقاليم المقرر تطبيقها، وسط تدخلات وضغوط تمارس من قبل التحالف السعودي الإماراتي على أطراف في السلطة لتمرير رؤية بعض حلفائها.
في موازاة ذلك، تشهد أكثر من محافظة من اليمن، لا سيما في الجنوب والشرق والغرب، وهي المناطق المحررة من الحوثيين، حراكاً يضغط نحو تعديل الأقاليم. وتُعد المصالح الخاصة بكل منطقة، إلى جانب التدخلات الإقليمية، أهم العوامل التي تدفع نحو طرح أفكار جديدة بشأن خارطة الأقاليم. وكان الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي قد أقرّ، في فبراير/ شباط 2014، بناء على مخرجات الحوار الوطني، الشكل النهائي للدولة الاتحادية المستقبلية، على أن تتألف من ستة أقاليم، اثنان في الجنوب وأربعة في الشمال.
وفي ما يتعلق بالجنوب، تم الإعلان عن إقليم حضرموت وعاصمته المكلا، ويتألف من المهرة، وحضرموت، وشبوة وسقطرى، في حين تم التوافق على إقليم عدن، وعاصمته عدن، على أن يتألف من محافظات عدن، وأبين، ولحج، والضالع. أما في ما يتعلق بالأقاليم الشمالية، فتم الإعلان عن إقليم سبأ وعاصمته مأرب، ويتألف من الجوف، ومأرب، والبيضاء. واختير إقليم الجند، وعاصمته تعز، ليضم كلاً من تعز وإب. كذلك تم اقرار إقليم تهامة، وعاصمته الحديدة، ليشمل الحديدة، وريمة، والمحويت، وحجة.
وأخيراً اعتمد إقليم آزال، وعاصمته صنعاء، على أن يضم صنعاء، وصعدة، وعمران وذمار. وتشير المصادر، التي تحدثت مع "العربي الجديد"، إلى أن التحولات اليمنية، في السنوات الأخيرة، أدّت إلى بروز فكرة تعديل خارطة الأقاليم. وفي مقدمة هذه التحولات انقلاب عدن وما رافقه من أحداث وخلافات بين أطراف السلطة من جهة والإمارات ووكلائها من جهة ثانية. يضاف إلى ذلك بروز معارضين للتدخلات السعودية في المحافظات اليمنية، لا سيما بعدما فرضت الأخيرة اتفاق الرياض على الحكومة و"المجلس الانتقالي الجنوبي" الانفصالي، بما تضمنه من إعادة تقاسم للسلطة وإقصاء أطراف جنوبية عدة لصالح "الانتقالي".
وتبدي السلطة تفهماً لمطالب بعض المحافظات، مثل سقطرى والمهرة، عبر دمجهما ضمن إقليم واحد منفصل عن إقليم حضرموت وفقاً للتقسيم المعتمد في 2014. كذلك يحظى هذا الطرح بدعم عُماني مشروط بعدم وجود أي من السعودية والإمارات على حدودها. مع العلم أن السعودية نفسها تحاول إرضاء أهالي المحافظتين لوقف الاحتجاجات الشعبية المتصاعدة ضد وجودها، لا سيما في المهرة.
وعلم "العربي الجديد" أن الرياض وعدت مجلس أبناء المهرة وسقطرى بدعم خيارهم، المتمثل بأن تكون المحافظتان ضمن إقليم مستقل. في موازاة ذلك، تدفع حضرموت، من خلال أغلب فعالياتها وقياداتها، إلى أن تكون إقليماً منفصلاً، لذلك يدرس هادي تبني تقسيم حضرموت إلى محافظتين، هما حضرموت الوادي وحضرموت الساحل، لا سيما أن مساحة حضرموت مجتمعة تمثل 193 ألف كيلومتر مربع من أصل 555 ألف كيلومتر مربع هي المساحة الإجمالية لليمن، ويتركز فيها الجزء الأكبر من الثروة اليمنية. وتمثل شبوة نقطة الخلاف فيما إذا كانت ستكون ضمن إقليم حضرموت، كونها قديماً كانت عاصمته التاريخية. وفي السياق، يبرز رأي يطرح ضم شبوة إلى إقليم جديد.
وتشير المصادر إلى أن الإمارات ووكلاءها لا يهتمّون كثيراً فيما إذا ستكون حضرموت وشبوة ضمن إقليم واحد أو إقليمين، بقدر ما يهتمون بمن سيكون الحاكم في الإقليم، لذلك يدفعون نحو تبني حراك حضرمي من خلال شخصيات بارزة، يتقدمها الرئيس اليمني الأسبق علي سالم البيض الذي تحتضنه أبوظبي. وبدأت الإمارات تدفع بالبيض أخيراً للعودة إلى الساحة السياسية، بالإضافة إلى إعادة تحريك نائب الرئيس اليمني ورئيس الوزراء الأسبق خالد بحاح، الذي تحضّره ليكون رجلها الأبرز جنوباً.
ولا تقتصر محاولات الإمارات على تعيين بحاح مجدداً في منصب نائب الرئيس أو رئيس للوزراء، بل تدفع ليكون الرئيس المقبل لليمن. وكان هادي قد أقال، في إبريل/ نيسان عام 2016، بحاح من منصبي نائب الرئيس ورئيس الوزراء بعد تفاقم الخلافات بينهما.
في المقابل، تريد الحكومة إبعاد الإمارات ووكلائها من مناطق الثروة. أما السعودية، وهي الدولة التي لها نفوذ كبير ممتد لعقود في حضرموت، إذ إن العديد من الشخصيات الاجتماعية والسياسية والتجارية الحضرمية تحمل الجنسية السعودية، فإنها تعتبر أن هذا الإقليم يمثل أهمية كبيرة لها، خصوصاً أنها تريد تنفيذ مشروع تصدير نفطها عبر بحر العرب، وذلك من خلال مرور هذا الأنبوب عبر حضرموت إلى ميناء الضبة الحضرمي، الذي تهيئه الرياش ليكون ميناء لتصدير نفطها. من جهتها، ترى سلطنة عمان أن اقتراب السعودية والإمارات من حدودها يمثل خطراً عليها، لذلك تدعم "مجلس الإنقاذ الوطني"، الذي يقوده الحضرمي حسن باعوم، ليكون القوة التي تواجه فيها النفوذ السعودي والإماراتي بالقرب من حدودها. مع العلم أن باعوم، الذي يحضر في السلطنة في أوقات كثيرة، ينتمي إلى حضرموت وتربطه حالياً علاقة مع إيران يديرها نجله فادي باعوم، وبدأ يعيد ترتيب وضعه في حضرموت.
أما "المجلس الانتقالي الجنوبي" فيعتبر أن زيادة الأقاليم في الجنوب من اثنين، كما أقر في مؤتمر الحوار الوطني، إلى أربعة أو خمسة تؤدي إلى الدخول في لعبة المحاصصة الجنوبية بما يضعف نفوذه، ومن خلفه الإمارات، ما يطيح مساعي الطرفين لأن يكون الجنوب كله إقليماً واحداً يتم التحكم فيه من عدن، وهو ما يتصدى له بشكل خاص الحضارم الذين يتشددون في ضرورة تحديد مصيرهم بعيداً عن عودة الوضع الذي كان سائداً قبل الوحدة. ويفضل الحضارم أن يُكوِنوا إقليماً منفصلاً ضمن دولة اتحادية، أو اعتماد خيار دولة حضرمية مستقلة.
ولا تقتصر الخلافات في الرؤى بشأن الأقاليم في الجنوب بل تمتد أيضاً إلى الشمال، لا سيما في ما يسمّى إقليم تهامة، الذي يشمل الحديدة، وريمة، والمحويت، وحجة. وتدفع الإمارات إلى فصل أجزاء من إقليم الجند، المتمثل في محافظتي إب وتعز. وتتمثل هذه المناطق في الأجزاء الساحلية من تعز، وهي المخاء وذوباب وباب المندب، ووضعها ضمن إقليم يسمى الساحل الغربي، أو كما هو معروف إقليم تهامة، ويضم المناطق المحررة من الحديدة وحجة.
ويسيطر على هذا الإقليم الساحلي وكلاؤها في الشمال، ويتمثلون برجال الرئيس الراحل علي عبد الله صالح وأولاده، وهو ما يلاقي اعتراضاً. وفي حسابات أبوظبي، فإن تحرر تعز وإب بشكل كامل من الحوثيين يعني أنه سيكون لها نفوذ في هذا الإقليم، نظراً لأنه يمثّل معقل الشرعية وأطرافها. إلى ذلك، يعدّ إقليم سبأ الأكثر هدوءاً وتجانساً، بل وقبولاً من جميع المناطق المنطوية ضمنه، وهي محافظات مأرب والجوف والبيضاء، ويمثل هو الآخر معقلاً للشرعية. ويوجد في هذا الإقليم أكبر قوة عسكرية وشعبية موالية للحكومة، وله حدود مع حضرموت وشبوة. وقد استعانت به شبوة وحضرموت وأبين لوقف تمدد الإمارات ووكلائها نحو هذه المناطق.