بدأت الحكومة الشرعية في اليمن بالتحرّك لاتخاذ العديد من التدابير الجديدة بهدف إعادة نشاطها، بعد التطورات الميدانية التي حصلت في الفترة الأخيرة، وتحديداً سيطرة مليشيات "المجلس الانتقالي الجنوبي" الانفصالي المدعوم إماراتياً، على العاصمة المؤقتة عدن ومحافظتي لحج والضالع، ومحاولات هذه المليشيات مع أبو ظبي فرض واقع جديد في الجنوب اليمني عنوانه التقسيم.
وبحسب مصادر في الشرعية تحدّثت لـ"العربي الجديد"، فإنّ الحكومة بدأت بالإعداد لأن تكون محافظة شبوة، الواقعة في جنوب شرقي اليمن، مقراً مؤقتاً جديداً لها، كما أنها تسعى لإغلاق مطار عدن دولياً، على أن يكون مطار عتق في شبوة والواقع تحت سيطرتها، بديلاً عنه وبعيداً عن سيطرة الإمارات، لتؤكّد الشرعية بذلك على رفضها لكل الضغوط التي تمارس عليها من قبل التحالف الإماراتي ــ السعودي في سبيل تمرير انقلاب أبو ظبي ووكلائها وتخفيف الضغط عنهم في كثير من المجالات، لا سيما لناحية إعادة تسيير الخدمات في المناطق التي سيطروا عليها.
وأكدت مصادر من الشرعية في محافظة شبوة لـ"العربي الجديد"، أنّ "مسؤولين عسكريين، وقيادات في الحكومة يتواجدون في المحافظة حالياً، ويعقدون اجتماعات يومية مع قيادتها والقيادة العسكرية السعودية المتواجدة في عتق (مركز محافظة شبوة)، لإعادة ترتيب الوضع الأمني والعسكري، وتفعيل الخدمات بدعم سعودي، لتمكين مدينة عتق من القيام بدورها كمقرّ إداري للحكومة الشرعية في المرحلة المقبلة، من خلال تفعيل الوزارات وعمل مكاتبها هناك، وعودة كامل الطاقم الحكومي الذي كان خرج من عدن إلى المقر الجديد".
وأضافت المصادر أنّ "الشرعية تعمل على إعادة تنشيط مطار عتق وتفعيله، ليكون المنفذ الجوي للحكومة، بدلاً من مطار عدن، إذ سيتم استخدامه للأغراض العسكرية والمدنية، إلى جانب مطار سيئون، فيما سيغلق مطار عدن أمام الرحلات الدولية، نظراً لوقوعه تحت سيطرة مليشيات مدعومة من الإمارات خارج إطار الشرعية".
وفي الوقت نفسه، تسعى سلطات الشرعية، بحسب المصادر، "إلى البدء في تصدير النفط والغاز من محافظتي شبوة ومأرب عبر ميناء بلحاف في بحر العرب، على الرغم من محاولة الإمارات عرقلة ذلك، لكن الحكومة مصممة، واتفقت مع الشركات الدولية العاملة في المنطقة بشأن هذا الأمر".
وفي موازاة هذه المعلومات، قالت مصادر مقربة من الحكومة لـ"العربي الجديد"، إنّ سلطنة عمان ستكون محطة لتواجد قيادات الشرعية الرافضة للوجود الإماراتي، بعيداً عن الدول التي لأبو ظبي نفوذ فيها، بما في ذلك الرياض والقاهرة وعمَّان، بسبب المضايقات التي قد يتعرضون لها.
كما أنّ سلطنة عمان قريبة لوصول المسؤولين إلى المناطق المحررة والواقعة تحت سيطرة الشرعية، وفق المصادر نفسها.
إلى جانب ذلك، تسعى الشرعية، وفق مصادر من داخلها، إلى "حصر الإمارات ومليشياتها في عدن ولحج والضالع، وعدم إعطائهم أي شرعية أو غطاء حكومي، وتركهم يواجهون غضب الناس، الذي بدأ يتصاعد بسبب غياب الخدمات التي كانت تضطلع بتأمينها الحكومة، التي لم تعد قادرة على التدخّل المباشر بسبب نشاط الإمارات ووكلائها".
وتزايدت الضغوط على أبو ظبي ومليشيات "المجلس الانتقالي" على خلفية القرارات التي اتخذتها الحكومة الشرعية بعد التطورات الأخيرة، من تجميد أعمال جميع الوزارات وعزل كل القيادات والمسؤولين المتواطئين مع الانقلاب والتوجيه بعدم التعامل مع أي من توجيهاتهم، فضلاً عن مغادرة أغلب مسؤولي الشرعية عدن، ما أفشل محاولة الإمارات ووكلائها استخدام المكاتب والمؤسسات الحكومية وتسيير عملها.
وفي السياق، أكّد مصدر خاص في قيادة الشرعية لـ"العربي الجديد"، أنّ "هناك ضغوطاً إماراتية على السعودية، من أجل أن تضغط بدورها على الشرعية، لإعادة تفعيل الخدمات التي توقّفت، بل ويطرحون إمكانية إشراف مسؤولين من الشرعية على إدارة المرافق الخدمية مقابل تفعيلها، لكن بدون عودة الحكومة". وشدد على أنّ "الشرعية ترفض هذه المقترحات، وتقول إنّ الإمارات ومليشياتها محتلون لعدن، وتتعامل معهم على غرار التعامل مع الحوثيين، باعتبارهم متمردين على الدولة".
وأضاف المصدر، وهو مسؤول حكومي، أنه "إذا أرادوا من الشرعية تفعيل الخدمات، فعليهم ترك عدن ومغادرتها وتسليمها للحكومة لتتولى أمور الناس"، لافتاً كذلك إلى أنّ "هناك توجها لمنع أي تعامل دولي مع مطار عدن، ورفع الشرعية مسؤوليتها عنه، عبر إبلاغ الدول بذلك". وتابع في الإطار ذاته: "قد توجه الدولة خطاباً رسمياً إلى السعودية لمنع استخدام مطار عدن، ما دام محتلاّ من مليشيات لا تمثل الدولة".
وأوضح المصدر أنّ "مسؤولين يمنيين رسميين كانوا أبلغوا نظراء لهم سعوديين، بمخاوفهم من استغلال مطار عدن ومينائها لتمرير تقنيات تساعد الحوثيين، إذا لم تكن هذه المنافذ تحت إشراف الحكومة".
وقال المصدر إنه لديهم "معلومات مؤكدة عن أنّ قيادات وناشطين جنوبيين كانوا مع الحوثيين وهاربين في صنعاء، أصبحوا يتجولون في عدن وأمام الجميع، ويلتقون بقيادات سياسية وناشطين وقيادات عسكرية وأمنية تابعة للإمارات ووكلائها، وهذا ما يزيد من مخاوف الشرعية من أنّ عدن قد تعيد تحالف حلفاء إيران والإمارات ويظهر للملأ".
في الأثناء، قال مسؤول أمني في شبوة لـ"العربي الجديد"، إنّ "أبو ظبي ما زالت تضغط من أجل عودة قوات النخبة الشبوانية (المدعومة إماراتياً) إلى المحافظة"، موضحاً أنّ "الضغط يتم بواسطة السعوديين".
وأكّد المسؤول أنّ "الشرعية ترفض ذلك بشكل قاطع، خصوصاً أنّ التفجيرات والاستهدافات التي طاولت الجيش الوطني والقوات السعودية خلال الأسبوعين الماضيين، وتسببت بمقتل قائد القوات السعودية في حضرموت (العقيد بندر العتيبي)، و5 جنود سعوديين آخرين أثناء دخولهم الأراضي اليمنية عبر طريق العبر، غيّرت مجرى كثير من الأحداث، لا سيما بعد أن ثبت أنّ هذه الأعمال تقوم بها مليشيات موالية للإمارات تحت مسمى النخبة، ووقعت أخيراً بشرّ أعمالها واستهدفت قوات سعودية كانت تعتقد أنها قوات يمنية".
إلى ذلك، أكّدت مصادر في الشرعية ومقربون من "المجلس الانتقالي"، لـ"العربي الجديد"، أنّ هناك مشكلة عسكرية كبيرة تواجهها الإمارات ووكلاؤها، ومرتبطة في المنطقة العسكرية الرابعة، والتي يصل عدد أفرادها إلى أكثر من 100 ألف جندي، وكانت الشرعية تدفع رواتبهم وتسلحهم.
وتضم هذه المنطقة الألوية العسكرية في كل من عدن وأبين ولحج والضالع وتعز.
ووفق المصادر، فقد أصبحت هذه المشكلة تهدّد الجبهات، وقد تدمر جهود 5 سنوات من الحرب، خصوصاً أنّ هناك جبهات مهمة تتبع هذه المنطقة العسكرية، وأي انهيار لها يهدد قاعدة العند ومضيق باب المندب وعدن، ما بات يشكّل ضغطاً إضافياً على الإمارات ووكلائها، لا سيما بعد الحشود الكبيرة للحوثيين في هذه الجبهات لاستغلال الخلل الجديد.
وذكرت المصادر أيضاً أنّ الإمارات ومن تدعمهم، يحاولون تمرير الأمر بأي طريقة مع الحكومة الشرعية، تجنباً لأي انتكاسة قد تصيبهم، لا سيما أنّ هناك ألوية كثيرة غير تابعة لهم وتتبع الشرعية، ومنتشرة في خطوط المواجهة، ما يجعلهم في ورطة ومأزق كبير، نظراً لخطورة الأوضاع العسكرية وتبعاتها.