انتشرت في السنوات الأخيرة، الأكاديميات الخاصة بتعليم كرة القدم للأطفال والمراهقين، بشكل لافت للنظر، في كافة المحافظات المصرية.
وينتظم آلاف اللاعبين الصغار في هذه الأكاديميات، حالمين بتكرار نجاح اللاعب المصري محمد صلاح جناح نادي ليفربول الإنجليزي، والذي أصبح معشوق الملايين من المصريين والعرب.
لكن الانتشار الكبير لتلك الأكاديميات أثار العديد من التساؤلات حول أسباب الإقبال عليها، وفوائدها للرياضة المصرية وقدرتها على زيادة أعداد ممارسي كرة القدم في مصر، على غرار ما يحدث في بعض الدول المتقدمة في هذا المجال مثل البرازيل، وما إذا كانت ستؤدي إلى تغيير مستقبل كرة القدم في بلد يعشق كرة القدم.
فرصة ممتازة
بدوره، أوضح خالد هاشم صاحب أكاديمية "أفريكا ستار" بمنطقة المعادي بالقاهرة، أن "الأكاديمية التي يديرها والتي بدأت عملها قبل أربع سنوات يشترك فيها مئات الأطفال والشباب من عمر 4 سنوات حتى 19 سنة"، لافتا إلى أنها تقبل اللاعبين من الجنسين بعدما أصبحت الكثير من الفتيات يقبلن على تعلم كرة القدم في السنوات الأخيرة.
وأضاف هاشم لـ"عربي21" أن "الأكاديمية توفر فرصة ممتازة لإعداد واكتشاف المواهب الصغيرة، ممن تأمل عائلاتهم في أن يكون لهم مستقبل في كرة القدم"، لافتا إلى أنه نجح في تسويق عشرات اللاعبين للالتحاق بأندية كبرى في مصر، ويمكن أن يتطوروا في المستقبل ليحترفوا خارج البلاد.
وأشار إلى أن هذه الأكاديميات أصبح لها بطولة دوري لزيادة المنافسة والاحتكاك فيما بينهم، كما أنها تقوم أيضا بإشراك لاعبيها المتميزين في دوري الأندية الذي ينظمه اتحاد الكرة، تحت اسم أندية ومراكز شباب أخرى مغمورة، مقابل مبالغ مالية تدفعها لإدارة تلك الأندية.
أما عبد الله الصاوي، المدرب في أكاديمية "الأهرام" بمحافظة الجيزة، فأوضح أنه يعمل في أكاديمية يديرها جمال عبد الحميد قائد منتخب مصر ونادي الزمالك السابق، وينتظم بها نحو 300 طفل، مشيرا إلى أنه وباقي المدربين يطبقون أحدث الأساليب التدريبية التي تعلموها في كلية التربية الرياضية.
وأضاف الصاوي، لـ"عربي21"، أن كل لاعبي كرة القدم المعتزلين يديرون أكاديميات خاصة بهم بسبب الإقبال الكبير عليها، مؤكدا أن هذه الأكاديميات أصبحت رافدا أساسيا لمعظم الأندية في مصر لمدهم بالاعبين الناشئين المتميزين.
صلاح جديد؟!
وأعطى صعود النجم محمد صلاح على المستوى العالمي وتألقه اللافت، دفعة هائلة للكثيرين بإمكانية تكرار هذا النموذج الناجح واكتشاف "صلاح جديد".
وفي هذا السياق، قال أحمد متولي، والد الطفل كريم، إن ابنه يبلغ من العمر 10 سنوات وينتظم في التدريب منذ ثلاث سنوات، موضحا لـ"عربي21" أن سبب إقبال كريم على لعب الكرة هو تعلقه الشديد باللاعب محمد صلاح، ورغبته في الوصول إلى ما وصل إليه من نجاح كبير.
وأضاف علي الراعي، والد الطفل زيادة (12 عاما)، وهو موظف حكومي، أنه ينظر إلى الموضوع نظرة مختلفة، حيث يرى أن الاهتمام بتدريب ابنه في الأكاديمية يعتبر نوعا من الاستثمار، موضحا أنه بجانب الاستفادة من ممارسة الرياضة وشغل وقت فراغه في شيء مفيد، فإنه يأخذ الأمر بجدية ويهتم بتدريب ابنه أملا في أن يصبح لاعبا مشهورا ويحقق نجاحا ماديا ومعنويا له ولأسرته.
أما الطفل ياسين أسامة (11 عاما) فقال إنه "يتمنى أن يلعب في النادي الأهلي الذي يشجعه، ثم بعدها ينتقل للاحتراف في الخارج مثل محمد صلاح".
لكن زميله عبد الله أشرف (12 عاما) قال إنه ينظر إلى اللاعب الأرجنتيني "ليونيل ميسي" باعتباره نجمه المفضل ويشاهد مبارياته باستمرار ويتمنى أن يكون في مثل مهارته وأن يلعب يوما ما في ستاد "كامب نو" معقل فريق "برشلونة" الإسباني مثل "ميسي".
مداعبة أحلام
وتعليقا على هذا الموضوع، قال الناقد الرياضي محمد مصطفى إنه "لا يمكن إنكار أن الدافع الرئيسي لإنشاء الأكاديميات هو البحث عن الربح، لكن وجودها له جانب إيجابي أيضا وهو تشجيع آلاف الشباب والأطفال على ممارسة الرياضة"، مشيرا إلى أن "الأكاديميات نجحت في تعويض العجز الشديد في الأندية ومراكز الشباب في مصر".
وأضاف مصطفى لـ"عربي21" أن "مصر كانت تفتقد في السابق لأكاديميات كرة قدم دولية توفر تدريبات مهارية متميزة، لكنّ هذه الأكاديميات يمكن أن تفرز لاعبين ممتازين في مصر، عبر توسيع قاعدة الممارسة، وليس من المستبعد أن نصل إلى أعداد تقارب دولا أخرى سبقتنا في هذا المجال".
وأشار إلى أن "قطاع الأكاديميات في مصر أصبح يجتذب نوادي أجنبية شهيرة مثل ريال مدريد وليفربول وباريس سان جيرمان وأرسنال وغيرها، بالإضافة إلى كل النوادي المصرية تقريبا، حتى إن النادي الأهلي، على سبيل المثال لديه 13 أكاديمية منتشرة في المحافظات المختلفة ويتدرب فيها آلاف الأطفال".
وأضاف محمد مصطفى أن "كل الأكاديميات تركز على مداعبة أحلام الصغار وأولياء أمورهم عبر الوعد بالالتحاق بأكبر الأندية المحلية، أو حتى الانطلاق نحو العالمية والاحتراف في الأندية الأوروبية، لكن النتيجة حتى الآن أن نسبة الأولاد الذين يكملون الطريق حتى يصلوا إلى الاحتراف داخل مصر قليلة للغاية ولا تتعدى الـ5 بالمئة".
واختتم تصريحاته بأن "عمل الأكاديميات مازال محتاجا إلى تنظيم"، مشيرا إلى أن الاتحاد المصري لكرة القدم كان قد وضع عددا من الإجراءات لتقنين أوضاع الأكاديميات العام الماضي، من بينها تحصيل رسوم تصل إلى 75 ألف جنيه، بحسب عدد اللاعبين المنضمين للأكاديمية مقابل منح الأكاديمية ترخيصا وتسجيلها بالاتحاد.
وأعلن الاتحاد عن تنظيم دوري للأكاديميات على مستوى الجمهورية، لكن أصحاب غالبية الأكاديميات، خاصة في المناطق الشعبية والأقاليم، رفضوا تلك الإجراءات ورأوا أنها "تعجيزية"، واستمروا في العمل دون ترخيص.