بعد 27 سنة من الفرار، ها هو ماتيو ميسينا دينارو -آخر عرابي المافيا الصقلية العظماء في كوسا نوسترا- يعبر عن قلقه من الوضع، إذ كتب بخطه حديثا "لقد اعتقلوا من لدي بهم اتصالات وبدائلهم وبدائل بدائلهم".
وقد أجرت صحيفة لوفيغارو الفرنسية مقابلة نادرة مع العقيد روكو لوبان المكلف من طرف السلطات الإيطالية بتعقب ماتيو، قال فيها إن الخناق قد شدد على هذا الرجل الذي أصبح رمز المافيا الصقلية.
وأضاف العقيد أن رجاله يمارسون "سياسة الأرض المحروقة من حول ماتيو، وعاجلاً أم آجلاً سنقبض عليه (..) فالمسألة مسألة شرف".
وقال إنهم يقومون كل خمسة إلى ستة أشهر بالقبض على عشرين إلى ثلاثين شخصًا ومصادرة ممتلكاتهم، مشددا على أن رجاله لا يتركون لهؤلاء وقتا لالتقاط أنفاسهم، بل يتبعون كل جولة اعتقالات بأخرى مماثلة.
وانتخب ماتيو (56 عاما) بالإجماع زعيما لمافيا صقلية عام 1990.
وقد بدأت السلطات الإيطالية تعقبه منذ ذلك الحين، ولم تتمكن أبدا من القبض عليه ليكون بذلك زعيم المافيا الوحيد الذي لم يذق حتى الآن طعم السجن.
وعن الإجراءات المشددة التي يتخذها زعماء المافيا لتفادي رجال الأمن الذين يتعقبونهم، يقول العقيد "عندما يجتمع هؤلاء الزعماء لا يتحدثون إلا قليلا جدا، بل ربما يكتفون بمحاكاة التحدث دون النطق بالكلمات، أما داخل السيارات فإنهم لا ينبسون ببنت شفة ويضربون مواعيدهم مستخدمين التمويه وبعيدا عن السيارات".
وتكمن الصعوبة الكبيرة للمحققين في تعقب هذا الرجل في أنه ليس لديهم أي صور حديثة له، فالصورة الوحيدة الموجودة له تعود إلى عام 1993، كما أن المعلومات المتوفرة تتسم بالتناقض، فهل ما زال في صقلية؟ هذا هو الراجح، لكن ثمة من يرى أنه هاجر إلى كالابريا أو الخارج، كما يتحدث البعض عن إجرائه جراحة تجميلية ليطمس المعطيات المتوفرة حوله ويشوش على من يلاحقونه.
وترى الصحيفة أن "السلام المافيوي" الذي يعم إيطاليا منذ سنين -بعد موجة الاغتيالات والقتل التي شهدتها خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي- يشي بأن ماتيو يسيطر على منطقته.
لكن العقيد لوبان لا يتفق مع ذلك الطرح، إذ يرى أن الاعتقالات التي طالت العديد من عناصر المافيا -والتي لم تقابل بأي مقاومة تذكر- تدل على أن المافيا الصقلية حاليا تحت ضغط شديد وفي وضع لا تحسد عليه.