اتفاقات وتفاهمات بين الإمارات وإيران، سرعان ما ألقت بظلالها مباشرة على التوازنات السياسية والعسكرية في اليمن، لتتبعثر فيه المعادلة من جديد بين أطراف الصراع وحلفائهم، وسط شبح تقسيم يلقي بثقله على المشهد الحالي بالبلد الأخير.
والأسبوع الماضي، توصلت إيران والإمارات، عقب مباحثات ثنائية، إلى اتفاقات وتفاهمات لتأمين الملاحة في مضيق هرمز والخليج العربي، وتعزيز أمن حدودهما المشتركة، ومكافحة عمليات التهريب.
حدث ذلك رغم تصاعد حالة التوتر المستمرة بين أبو ظبي وطهران بسبب الجزر الثلاث المتنازع عليها: "طنب الكبرى" و"طنب الصغرى" و"أبو موسى"، إذ تقول الإمارات إن إيران تحتلها، فيما تنفي الأخيرة ذلك.
يضاف إلى ذلك سبب توتر آخر يتعلق بالصراع المحتدم بين قوات الحكومة اليمنية المدعومة من التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات من جهة، وقوات الحوثيين المتهمين بتلقي دعم إيراني، من جهة أخرى.
ومع أن التفاهمات الحالية قد تمكن من خفض التصعيد باليمن على المدى القريب، إلا أن مراقبين يحذرون من أنها قد تكون واحدة من منعطفات الحرب باتجاه تقسيم البلد الواقع جنوب الجزيرة العربية إلى دويلات صغيرة وضعيفة.
** "لم تكن حليفا"
الإمارات؛ القوة الثانية في التحالف العربي الذي تدخّل في مارس/ آذار 2015، لإنهاء انقلاب الحوثيين على حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي، إلا أنها ركزت عملياتها العسكرية في الجنوب، وسرعان ما اتجهت إلى إنشاء قوات محلية موالية لها بعيدة عن سلطة الحكومة الشرعية.
وعوض مهاجمة تلك القوات الكبيرة مواقع الحوثيين الذين ما يزالون يفرضون سيطرتهم على العاصمة صنعاء وأبرز محافظات البلاد، اتجهت لفرض سيطرتها على المدن والموانئ في العاصمة المؤقتة عدن، والمحافظات الجنوبية.
مصدر بالحكومة اليمنية يقول للأناضول، إن "الإمارات لم تكن أبدا حليفاً لليمن منذ بداية الحرب، وتدخلها كان بالبدء لمساندة السعودية مثل بقية دول التحالف، قبل أن يتطور الأمر إلى فرض وجود بالجنوب يشبه الاحتلال".
ويعتبر المصدر أن "علاقة الحكومة بالإمارات كانت متعارضة تماماً منذ مطلع 2016 حتى اليوم".
والأسبوع الماضي، كشف نائب الأمين العام لـ"حزب الله" اللبناني، نعيم قاسم، عن وجود قنوات تواصل سرية بين الحوثيين والإمارات، لبحث مسألة الانسحاب من اليمن.
وبحسب المصدر الحكومي، فإن "أبو ظبي رتبت وضعها للانسحاب بعد أن أوكلت لقواتها الموالية لها التحكم بالوضع بالبلاد، وفي أي لحظة قد تتفق مع الحوثيين"، لافتا أن التوترات الإقليمية هي "ما جعل الإمارات تتجه للتهدئة".
** مكاسب حوثية
في دورة الصراع الجديدة، تظهر جماعة "الحوثي" أكثر الأطراف تحقيقاً للمكاسب، إذ أن قواتها ما تزال تحت قيادة عسكرية موحدة، بينما ساهمت الخبرات الإيرانية و"حزب الله" في تصدرها لموضع القوة.
فالطائرات المسيّرة ما تزال تقصف المنشآت والمواقع السعودية بشكل يومي، ليرتفع - في الأثناء - عدد قتلى الجنود السعوديين في المعارك الحدودية، حيث نعت المملكة، في يوم واحد خلال الأسبوع الأخير، 7 من جنودها، بحسب إحصاء للأناضول.
ووفق مصدر عسكري "حوثي" تحدث للأناضول، فإن "جماعته عاقدة العزم على تكثيف الضربات الجوية والصاروخية ضد السعودية، لزعزعة الأمن والاستقرار في أبرز مدنها، في حال استمر العدوان".
المصدر أشار أن "شركات دولية عاملة بالسعودية غادرت مواقعها، بينما خسرت المملكة مبالغ كبيرة في تأمين الشركات النفطية والاستثمارية"، متوعداً الرياض بمزيد من الهجمات.
وتؤكد تلك الضربات القدرة التكتيكية للحوثيين على إحداث أكبر قدر من الأذى في المصالح الحيوية السعودية، ففي يونيو الماضي، أعلنت الجماعة، للمرة الأولى، استهداف مطار "أبها" بالمملكة بصاروخ "كروز" موجّه يفوق دقته ومداه التدميري منظومة الصواريخ البالستية.
في المقابل، يبدو الرئيس اليمني عاجزاً عن التحكم بإيقاع التطورات الجديدة، وبمقر إقامته المؤقت بالرياض، يحيط به سياسيون هدفهم لا يكاد يخرج عن سياق ترتيب مستقبلهم وعائلاتهم خارج البلاد، من خلال تعيينهم بمناصب دبلوماسية.
أما القوات التي تواجه الحوثيين، فهي منقسمة ومكشوفة تماماً، وأفصح هجوم الجماعة الأخير على معسكر في عدن، والذي أودى بعشرات الجنود (من قوات الحزام الأمني المدعومة إماراتيًا) عن ضعف تلك القوة التي تتوزع ولاءاتها بين عدة أطراف.
بينما عززت التفاهمات الإيرانية الإماراتية من قوة الجماعة، وفق مراقبين ممن يرون أن الأخيرة ضمنت على الأقل، تهدئة عسكرية بمعظم الجبهات التي تتحكم بها الإمارات، بينها جبهة الساحل الغربي، وبقيت مدينة الحديدة (غرب)، بمنأى عن هجوم القوات التي يقودها أبو عمر الإماراتي.
** سيناريو التقسيم
السبت، قال مستشار ولي عهد أبو ظبي السابق، الأكاديمي عبد الخالق عبد الله، إن الحرب في اليمن انتهت إماراتيًا ويبقى أن تتوقف رسمياً، مشيراً أن أبوظبي "ستضع من الآن فصاعدا كل ثقلها السياسي والدبلوماسي للدفع بالتسوية وتحقيق السلام للشعب لليمني".
لكن إيقاف الحرب في هذا التوقيت يعزز ما تكهن به المسؤول الإماراتي السابق، الأسبوع الماضي، حول تقسيم اليمن.
ورغم الهجوم الذي شنه يمنيون، بينهم سياسيون ومسؤولون حكوميون، على تصريح الأكاديمي الإماراتي، ورفضهم تقسيم البلاد، إلا أن الفرضية قد تكون الأقرب في ظل بقاء اليمن ضعيفاً ومهزوزاً وسط تدخل إقليمي في شؤونه.
الصحفي اليمني محمد سعيد، يرى أن "التفاهمات بين الإمارات وإيران طبيعية، وإعلان أبوظبي الانسحاب من اليمن لن يكون له تأثير حقيقي على مسار أزمة البلاد على المدى القريب، لكن في حال بدأ حكام أبو ظبي في لعب دور مختلف وخفي على حساب الرياض، فسيتواجهون مع النظام السعودي".
ويضيف سعيد للأناضول، أن "الوضع الجديد بكل احتمالاته سيعزز من بقاء اليمن بوضع اللاحرب واللاسلم لسنوات، وبينما تكابر السعودية خوفاً من تبعات الهزيمة، إلا إنها بالأخير ستنسحب، وهذا ما يحدث إذ تبحث الرياض عن أي حلول سياسية".
ويتابع أن "تجزئة اليمن وفك الارتباط بين شماله وجنوبه قد يكون أقرب الخيارات".
** لا تهدئة
في المقابل، يرى المدير التنفيذي لمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية ماجد المذحجي، أن "الانعكاسات المباشرة للتفاهمات الإيرانية الإماراتية باليمن غير واضحة حتى اللحظة، فالاتفاق يسير في نطاق إجرائي ويتعلق بأمن الحدود وما إلى ذلك، لكن من المؤكد أنه مسنود بتفاهمات سياسية بين البلدين".
ويقول الباحث للأناضول، إن "التفاهمات ستكون مؤثرة على مستقبل الدور الإماراتي باليمن، وإلى أي حد قد يبقى هذا الدور بذات الفعالية، كونها لاعبا إقليميا فاعلا، ولم يكن حضورها في البلد حضوراً عابرا".
ولا يميل المذحجي إلى فرضية التهدئة بين الإمارات والحوثيين، لافتا أن "أبو ظبي رسخت وجودها عبر الاستثمار بالعديد من القوى التي لديها خصومة فعلية مع الحوثيين، مثل المجلس الانتقالي الجنوبي والقوات بالساحل الغربي، ولذلك فإن دورها يظل فاعلا وحاضرا بشكل غير مباشر في الحرب ضد الحوثيين".
أما علاقة الإمارات بالحكومة، فاعتبر أنها "ستظل متوترة، إذ لا توجد تفاهمات، فيما لا يزال الخطاب السياسي متشنجا".
ولم يتسن الحصول على تعقيب فوري من جميع الأطراف الواردة بالتصريحات المذكورة.