لاقت الأحداث التي شهدتها العاصمة اليمنية المؤقتة، عدن، أصداءً واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي بعد حملة تحريض وترحيل لمواطنين يتحدرون من مدن في شمالي البلاد.
وشنت قيادات وموالون للمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات حملة تدعو لترحيل المواطنين في أعقاب هجوم مزدوج استهدف مقراً للشرطة وعرضاً عسكرياً أودى بحياة العشرات من الجنود، الخميس الماضي.
وبرزت تغريدات لنائب رئيس المجلس الانتقالي هاني بن بريك، على "تويتر"، تحرض على مالكي المطاعم المحلية التي يديرها مواطنون من المحافظات الشمالية، وقال في تغريدة له "يتم الاحتفال في عدن وتوزيع المشروبات في بعض المطاعم لمقتل شهدائنا، ولما يتحرك الشعب لإغلاقها وإبعاد المجهولين الذين لا يحملون أي إثبات ومنهم من ضبط في مقره أسلحة، تقوم قائمة القوم، عندما يتعلق الأمر بأمن الجنوب فشعب الجنوب كله حزام أمني وكله رجال أمن. فمن يوقف الشعب؟!!".
ودفعت حملات كراهية على وسائل التواصل الاجتماعي إلى عمليات تهجير قسرية استهدفت باعة وملاكاً وعمال مطاعم ومحالاً تجارية، فضلاً عن تدقيق بالهويات في نقاط تابعة لقوات الحزام الأمني المدعومة إماراتياً.
وأغلقت تلك القوات منافذ برية في عدن ومنعت حركة الدخول إلى المدينة ورفضت دخول المواطنين القادمين من المحافظات الشمالية بحجة الاشتباه بهم وتقديمهم معلومات لمليشيا الحوثيين.
وشارك قائد شرطة دبي السابق ضاحي خلفان في حملة المطالبة بترحيل المواطنين من عدن، وكتب في تغريدة على "تويتر": "من حق الجنوب أن يرحّل أبناء الشمال في ظل الاعتداءات التي يقوم بها الشمال على مدن الجنوب.. ففي كل مرة تضبط جماعة بحوزتها ما يهدد أمن واستقرار الجنوب".
وأظهرت مقاطع فيديو نشرها ناشطون اعتداءات جنود على مواطنين وإخراجهم من محلاتهم والدفع بهم إلى شاحنات لنقلهم إلى منطقة المسيمير في محافظة لحج (جنوبي البلاد).
لكن هذه الحملة اصطدمت بموجة غضب على مواقع التواصل الاجتماعي وموقف رسمي من الرئاسة والحكومة، دعت إلى وقف حملات التهجير والتدقيق بالهويات في عاصمة البلاد المؤقتة.
ووجه الرئيس عبد ربه منصور هادي، ليلة الجمعة الماضي، السلطات المحلية والأجهزة الأمنية في عدن ولحج والضالع بوقف عمليات الترحيل التي طاولت أبناء المحافظات الشمالية ووقف أي ممارسات خارجة عن النظام والقانون ضد المواطنين والممتلكات الخاصة.
ودعا الرئيس هادي، خلال اتصالات هاتفية مع وزير الداخلية أحمد الميسري ومحافظ عدن أحمد سالم ربيع، لنبذ "الممارسات الخاطئة" التي يقوم بها البعض على أساس مناطقي أو سياسي بعد الأحداث الدامية التي شهدتها عدن الخميس الماضي.
ووصف رئيس الحكومة، معين عبد الملك، ما يحدث في عدن بـ"انتهاكات تطاول بالأذى والإهانة مواطنين يمنيين بدوافع مناطقية"، مشيراً إلى أنه "لا يمكن التغاضي عن تبعاتها الخطيرة في شق النسيج الاجتماعي وإضعاف جبهة الشرعية والتحالف في مواجهة مليشيا التمرد الحوثي والمشروع الإيراني في المنطقة".
وأعرب عبد الملك في سلسلة تغريدات على "تويتر"، عن تقديره العالي لرفض أبناء عدن وبقية المحافظات الجنوبية "لكل أشكال الانتهاكات التي طاولت مواطنين أبرياء بدوافع مناطقية، وتشيد بدور الفعاليات الاجتماعية والسياسية الفعّالة في منع تفاقم وتيرة الانتهاكات التي تخالف القوانين المحلية والدولية وأخلاق الإنسان اليمني".
وشهدت أحداث الترحيل موجة غضب من ناشطين في الحراك الجنوبي، ودفع تسارعها إلى تبني قوات عسكرية محدودة وحملة لحماية المواطنين ومنع تعرضهم للاعتداء من قبل موالين للمجلس الانتقالي.
وندد الشيخ القبلي البارز، صالح بن فريد العولقي، على "تويتر" بأي أعمال اعتداء أو ترحيل لعمال مدنيين من عدن، مؤكداً أن مثل هذه الاعمال مرفوضة جملة وتفصيلاً.
وقال "نحن جربنا مرارة الظلم والاعتداء على حقوق الناس وتأميم أملاكهم وقطع أرزاقهم وطردهم من أعمالهم وحاشا لله أن نبررها أو أن نقف إلى جانب من يقومون بها".
وكتب القيادي في المقاومة الجنوبية، علي الأحمدي: "بعد تصريحات بعض قيادات المجلس الانتقالي والتي تحرض على العمال البسطاء، أتمنى من كل من تربطه علاقة بهم أن يراجعهم ويناصحهم، خصوصاً الأحزاب الوطنية التي تشارك بقيادات من أعضائها في صفوفه".
وأضاف في منشور على "فيسبوك": "ليس من الأخلاق بتاتاً تنفيس الغضب باتجاه البسطاء والضعفاء والاستقواء بالقوة والسلاح وإهانتهم ودوس كرامتهم بتلك الطريقة المهينة لكرامة الإنسان العادي، التبرير لهؤلاء السيئين بأن تصرفهم ردة فعل لحظية غير مقبول لأن تكرار هذه التصرفات إنما يدل على مشكلة نسير نحوها عنوانها تدني قيم الأخلاق والمروءة والتي لا توصل لخير أبداً".
وتابع "شاهدنا عدم اقتصار هذه الظاهرة على الشماليين بل وصلت لكسر شرف وحرمة بيوت الجنوبيين في اقتحامات أنصاف الليالي والتي تعتبر من أسوأ ما عاشه أبناء الجنوب في السنوات الماضية، ليرتفع صوت الرفض لهذه التصرفات والا فسيكتوي الجميع بنار هذا التردي الأخلاقي".
وكتب عبد الكريم قاسم: "كل هذا العبث في عدن سيتوقف يوما وسيعود العابثون أدراجهم من حيث أتوا وستبقى عدن المدنية تديرها البلدية.. والناس يعيشون في مدنهم لا يهمهم من أي جنسية أو ديانة".
وأدان سفير اليمن لدى الأردن علي العمراني الحملة التي طاولت المواطنين، وقال في منشور على فيسبوك: "الذي يجري في عدن من ترحيل وإهانة وظلم وتنكيل، لا علاقة له بموروث الجنوب العزيز من النبل والشهامة، فهم أهل النجدة والنخوة والمروءة، ومنا وفينا عبر كل الزمن".
وأضاف "ما يجري اليوم يستلهم فترة شمولية، مستلهمة من خارج الحدود في الأصل، أسوأ ما فيها من أخطاء تاريخية أنها نالت من أبناء الجنوب أنفسهم، تنكيلا وتشريدا وقتلا، ويفترض أن مآسي تلك الفترة وأخطائها الكبرى تكون للعبرة، بحيث لا تتكرر أبدا.. قد يقول بعض الطائشين: ما دام ضد شماليين، دعوهم يفعلون ما يشاؤون".
وتابع "مثل أولئك لا يدركون بأن التسامح قيمة إنسانية تبدأ بالبعيد، وتنتهي بالقريب، والذي يسكت أو يبرر القسوة والبطش والظلم للبعيد الشمالي اليوم، قد ينتهي به الأمر منكَّلاً به ومشردا ومظلوما من قبل أقرب الناس إليه، وقد حصل مثل هذا كثيرا من قبل".