باتت العملة اليمنية (الريال) مهددة، على خلفية الانهيار المستمر في قيمتها وتراجع حجم تداولها، وتزايد المخاوف من تحوّلها إلى عملة نادرة، مع اقتراب البنك المركزي من إطلاق مشروع المدفوعات الإلكترونية ضمن مبادرة "الشمول المالي"، فيما تدرس الحكومة مقترحاً يتضمن تحويل الدولار الأميركي والريال السعودي إلى عملتيْن قانونيتيْن يمكن تداولهما في اليمن.
وشرح مسؤول حكومي، لـ"العربي الجديد"، أن "مشروع تحويل الدولار والريال السعودي إلى عملتين قانونيتين للتداول، الذي تدرسه الحكومة المعترف بها، هو مقترح من صندوق النقد الدولي، ضمن آليات تعالج أزمة تهاوي الريال اليمني، وكخطوة مواكبة لمشروع المدفوعات الإلكترونية والتي ترتكز على فكرة التحويلات عبر الهاتف".
وفي هذا الإطار، اقترح معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، مطلع إبريل/نيسان الماضي، استخدام الدولار في اقتصاد اليمن إلى جانب الريال السعودي كعملتين قانونيتين، ضمن تقرير عن خارطة طريق اقتصادية تهدف إلى استقرار العملة المحلية، نشر محتواها على موقعه الإلكتروني.
ويعيش اليمن في حرب مستمرة منذ ثلاث سنوات ونصف، انعكست أزمة اقتصادية وضعفاً في استغلال موارد الدولة، وأبرزها النفط والغاز وانقسام المصرف المركزي، وهي أسباب كافية لتدفع العملة المحلية نحو الانهيار، لكن الريال اليمني فقد خلال عام 2018 جزءًا كبيرا من قيمته التي لم يفقدها خلال سنوات.
وفي انعكاس لانعدام الثقة في العملة الوطنية، باتت معظم التعاملات المالية في المحافظات اليمنية تتم بالريال السعودي والدولار الأميركي. وقد اختفت معظم فئات الريال اليمني المعدنية والورقية الصغيرة، وبقيت منها الفئات الكبيرة.
وتعتمد الحكومة اليمنية على الدولار في تقييم ميزانياتها السنوية وصرف مرتبات مسؤوليها وموظفيها وجنودها وفي جباية الضرائب والرسوم، وبدأت مؤسسات حكومية تفرض التعامل بالدولار بدلا من الريال. ويتم دفع رسوم التعليم في المدارس والجامعات الأهلية ورسوم العلاج في المستشفيات الخاصة بالدولار أو بالعملة السعودية، وفق مصادر "العربي الجديد".
وطلبت شركة النفط اليمنية من الخطوط الجوية اليمنية، في مذكرة اطلعت عليها "العربي الجديد"، احتساب قيمة وقود الطيران بالدولار، ابتداءً من مطلع سبتمبر/أيلول من العام الماضي.
وقال تاجر بالجملة، من العاصمة اليمنية المؤقتة عدن حيث مقر الحكومة (جنوب البلاد)، إن جميع المعاملات أصبحت تتم بالريال السعودي. وأكد أن تجار البيع بالجملة يرفضون التعامل بالعملة اليمنية، وأطلع "العربي الجديد" على فواتير دفعت بالعملة السعودية. وبدأ تجار المواد الغذائية بالجملة في محافظة حضرموت (جنوب شرق) التعامل بالعملة السعودية، منذ فبراير/شباط 2017، وذلك عقب انهيار الريال اليمني.
وشرح ناصر عبد الله، تاجر تجزئة، أنه "يتم التعامل بالريال السعودي على نطاق واسع في حضرموت، من تجار الجملة، وصولاً إلى تأجير المنازل والمحلات وبيع وشراء العقارات، وذلك لعدم الثقة في استقرار الريال اليمني".
وطلبت مؤسسة حضرموت للتنمية القانونية (أهلية مستقلة)، من محافظ حضرموت، التدخل وحظر استخدام عملات أجنبية بديلا عن الريال اليمني، وقالت في مذكرة اطلعت عليها "العربي الجديد": "الريال اليمني هو وحدة النقد الرسمية في الجمهورية اليمنية، إلا أنه انتشرت في الفترة الأخيرة ظاهرة التعامل بعملات أجنبية".
وأشارت المذكرة إلى التعامل بعملات أجنبية في دفع الإيجارات والرسوم الدراسية والجامعية، وفي صفقات بيع وشراء الأراضي والمباني.
وكان محافظ حضرموت، عوض البحسني، أكد محاربة ظاهرة البيع بالريال السعودي التي انتشرت مؤخراً استغلالا للظروف التي تمر بها البلاد وتدهور العملة المحلية، وأكد محاسبة كل من يثبت عنه ممارسة هذه الظاهرة. لكن جهود السلطة المحلية لم تنجح في منع التعامل بالعملة السعودية، ونجحت في تقليصها، وفقا لمصادر محلية.
ويتم التعامل بالعملة السعودية في المناطق الحدودية لليمن مع السعودية، من صعدة معقل الحوثيين (شمال) وحتى المهرة (جنوب شرق) مرورا بالجوف ومأرب (شرق) وحضرموت (جنوب شرق).
الخبير في المالية العامة فكري عبد الواحد أكد التحول إلى التعامل بعملة أخرى غير الريال اليمني. وأشار إلى أنه أحد الحلول التي سبق أن قامت به دول تعرضت للحروب أو انهيار اقتصادها.
وقال عبد الواحد، لـ "العربي الجديد": "لكي تتعامل بعملة بلد آخر لابد أن يتوفر لديك رصيد منها وأن تبدأ بعملية البيع والشراء بينك وبينها بعملتها، فهل ستقوم السعودية بضخ جزء من عملتها إلى اليمن؟ وهل لن تؤثر على سعر الريال السعودي أمام العملات الأخرى؟".
وكان تقرير لإدارة التنمية الدولية التابعة للحكومة البريطانية قال إن البديل لمشكلات العملة اليمنية هو التحول إلى العملة الأجنبية، وأوضح أنه في أوقات الأزمات فإن الاقتصادات تميل إلى ما يُنظر إليه على أنه العملة الأكثر أمانًا، والتي عادة ما تكون الدولار الأميركي.
وقال التقرير الذي أعده معهد دراسات التنمية لصالح الحكومة البريطانية واطلعت عليه "العربي الجديد" إنه "من الأفضل في حالة اليمن تشجيع استخدام عملة الدول المجاورة، أي الريال السعودي، نظرا للعدد الكبير من التحويلات المالية إلى اليمن، وهي جارة كبيرة وثرية.
وسوف يساعد هذا في تجنب التحدي المتمثل في عدم وجود ملاحظات على العملة الأجنبية المستخدمة. في حالة اليمن هناك فائض مادي للعملة السعودية في البلد بالفعل". وأشار التقرير إلى أن خيار اعتماد العملات الأجنبية ستكون له جاذبية، وسوف يخلق شعورا بالاستقرار.
أستاذ العلوم المصرفية طارق رشيد، أكد أن العملة هي الرمز الحقيقي والأهم لاستقلال وسيادة الدول. وقال لـ "العربي الجديد" إن "التعامل بعملات أجنبية مقترح غير موفق من الناحية الاقتصادية، ويحرم اليمن من توظيف وسائل السياسة النقدية في خدمة مصالحه، لاسيما وسائل التحكم في عرض النقد وتوجيه الائتمان".
وأوضح رشيد أنه يمكن اعتماد الريال السعودي كاحتياطي نقدي أجنبي لتدعيم أو لتحقيق استقرار سعر صرف الريال اليمني، الأمر الذي يمكن استيعابه، بالرغم من أنه يعرّض اليمن إلى مخاطر تركز أو اعتمادية عالية.
وأدت الحرب في اليمن إلى انهيار الريال اليمني، وانحسرت الثقة فيه مع ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق الموازية، وانعكس تهاوي الريال ارتفاعاً في أسعار السلع بمعدلات قياسية، ما فاقم معاناة المواطنين.