بات واضحا التململ الأمريكي في شن عمل عسكري ضد طهران، بعد سيل التهديدات التي أطلقها ترامب ضد إيران والتلميحات باحتمالية توجيه ضربة عسكرية، التي أعلن لاحقا التراجع عنها قبل تنفيذها بـ10 دقائق، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول أسباب تململ واشنطن.
وقال ترامب، إنه ليس مستعجلا لتوجيه ضربة عسكرية لإيران، لكن إسقاط طائرة دون طيار، لم يكن متناسبا مع حجم الضربة التي كانت ستوجه إليها.
وكشف في تغريدة على حسابه بموقع تويتر، أن الضربات "كان يفترض أن تستهدف 3 مواقع، وكان سيسقط فيها 15 شخصا"، وفقا للتقديرات العسكرية الأمريكية.
وخلال الأسبوع الماضي خرج ترامب بتصريحات لافتة، خلال مقابلة مع مجلة "التايم" وقال، إنه سيوجه ضربة لإيران في حال امتلكت سلاحا نوويا.
وقال الرئيس الأمريكي، ردا على سؤال بشأن الخطوات التي يمكن أن تقوده للحرب مع إيران: "سأذهب بالتأكيد إلى الأسلحة النووية"، وبشأن إمدادات النفط، "أشار إلى أنه "سيبقي الآخر علامة استفهام".
وكان وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، قال الأحد الماضي، إنه على الرغم من أن إيران مسؤولة "بلا شك"، عن الهجمات التي استهدفت ناقلتين الأسبوع الماضي، إلا أن الولايات المتحدة لا تريد حربا مع طهران.
شكل الصراع
وحول أسباب التردد الأمريكي في توجيه ضربة عسكرية، لإيران قال الخبير العسكري، العميد الركن صبحي ناظم توفيق، إن السياسة الأمريكية منذ عام 1979 "لم تتغير تجاه إيران، وهي لا تخرج عن التهديدات".
وأوضح توفيق لـ"عربي21" أن ترامب ليس أول رئيس يهدد بتوجيه ضربة لطهران، ورغم نجاح الثورة في إيران ورفعها منذ اليوم الأول شعارات معادية لأوروبا وأمريكا، ووصفها بالاستكبار العالمي والشيطان الأكبر، وغيرها من الشعارات، إلا أن أي من التهديدات لم ينفذ بمهاجمتها.
وأضاف: "في عهد كارتر عندما قبض على 100 أمريكي بين دبلوماسيين وإعلاميين وموظفين، في السفارة بطهران وأخذوا رهائن، سعت أمريكا لتحريرهم بعمل عسكري، لكنها فشلت "بحكم القضاء والقدر عام 1980، بعد تحطم طائرات القوات الخاصة".
وأشار إلى أن حادثة واحدة احتكت فيها الولايات المتحدة بطهران، وكانت قصفا لمرفأ نفطي عام 1988، إبان الحرب الإيرانية العراقية وقامت بتدميره.
ورأى أن التهديدات "تأخذ طابع الابتزاز للدول الخليجية، التي يوجد بينها وبين إيران خلافات، من أجل مزيد من مبيعات السلاح، لكن الحقيقة أن كلا الطرفين الإيراني والأمريكي، مستفيدان من هذه الأجواء في مسائل داخلية".
وبشأن كلف الحرب فيما لو شنتها واشنطن، قال توفيق: "نحن نتحدث عن مليارات الدولارات، للإعداد والتذخير وتحريك طائرات ومدمرات بحرية وقوات، فضلا عن استهداف قواعد ومعسكرات، ونقاط تمركز قوات في الخليج".
لكنه في المقابل قال، إن الكلفة "ستكون باهظة على إيران، بحيث ستمحو أمريكا بنيتها التحتية، ومرافئها العسكرية ودفاعاتها الجوية وقواعد الطيران ستدمر بالكامل، بالإضافة لتدمير ترسانتها البحرية، وتعيد الدولة لنقطة الصفر".
ابتزاز وتجارة سلاح
من جانبه قال المحلل السياسي والمختص بالشأن الأمريكي، الدكتور صبري سميرة، إن المراقبين في واشنطن "يشككون بقوة في تهديدات ترامب، والهدف من ورائها وتوقيتها".
وأشار سميرة لـ"عربي21" إلى أن تململ ترامب يشي بوجود أهداف كبيرة، تتعلق بعمليات بيع السلاح للمنطقة ومواصلة إشعال الصراع مع خصومها، بدافع ابتزاز العالم العربي.
وشدد على أن التراجع عن توجيه ضربة عسكرية بعد أن جاءت الذريعة والفرصة المناسبة، بإسقاط الطائرة يضرب مصداقية ترامب، لكنه في الوقت ذاته يؤشر للحسابات الاستراتيجية والعسكرية والسياسية، التي يقررها الخبراء الأمريكيون في النتائج التي ستعود على واشنطن من ورائها، وهل هي إيجابية أم سلبية وما الكلف.
وأضاف: "الخبراء الاستراتيجيون والعسكريون في الولايات المتحدة، يجرون حسابات دقيقة لمثل هذه المسائل وتطرح أسئلة من قبيل: هل إذا دخلنا الحرب سنحسمها أم سنتراجع، وإذا تراجعنا كيف سيكون شكل التراجع، بما لا يلحق الضرر بالردع الأمريكي".
ورأى أن كبار المسؤولين في الخارجية الأمريكية والبنتاغون، "ليسوا على اتفاق مع ترامب في قضية شن حرب على إيران، ولعل تعطيل الكونغرس لقرارات ترامب بشأن مبيعات سلاح للسعودية، مؤشر على رغبة في الابتعاد عن صراعات غير محسوبة تشعل المنطقة".
وعلى صعيد خطاب ترامب والتصعيد وتأثيره على وضعه الداخلي قال سميرة: "الرئيس الأمريكي يحافظ على قاعدته الانتخابية عبر مزيد من الخطابات العدوانية، والنبرة المبتزة للآخرين، وبالمقابل القاعدة التصويتية للديمقراطيين لن تصوت له بطبيعة الحال، ومن ثم لن تتأثر بحديثه".
لكن الأهم في هذه المعادلة بحسب سميرة: "هم المحيطون بترامب من المستفيدين وأصحاب شركات السلاح، الذين تخدمهم هذه التصريحات وتحرك أعمالهم، وإلا في حالة وجود سلام بالمنطقة كيف سيعمل هؤلاء؟"، كما تساءل.