أعاد محتجون في مدينة المعلا غربي مدينة عدن، العاصمة المؤقتة جنوبي البلاد، قبل حوالي أسبوع إغلاق شارع المدينة الرئيسي إحتجاجًا على تأخر تسليم متهمين يتبعون قوة أمنية يعتقد أنهم قتلوا شابًا يدعى رأفت دنبع في مارس الماضي.
وكان الشاب "رأفت دنبع" الذي قُتل بنيران عناصر يتبعون ما يسمى "قوات مكافحة الإرهاب" هو الشاهد الوحيد على تورط عناصر يتبعون هذا التشكيل الأمني في جريمة اغتصاب طفل في مديرية المعلا قبل حوالي عام وتحولت حينها إلى قضية رأي عام.
عند إغلاق المتضامنين مع العائلة الطريق الرئيسي في المعلا المرة الأخيرة تدخل والد رأفت لإقناعهم بفتح الطريق الرئيسي ولوّح بتلقيه وعود عن إمكانية تسليم المتهمين قريبًا ليحالوا للمحاكمة.
ولكن إعادة إغلاق الطريق الرئيسي الذي أرتبط إغلاقه في الآونة الأخيرة بقضية الشاب رأفت دنبع، يمثل إعادة تذكير بغياب التقدم الجاد في حل القضية التي أثارت موجة احتجاجات واسعة النطاق في المدينة التي تتخذ منها الحكومة عاصمة مؤقتة، ومن جانب آخر فالإحتجاجات الشعبية ضد مخالفات أفراد الأمن في المدينة الساحلية تزيد الضغط والحرج على الجهات الأمنية التي تضم فصائل على تباين واضح في الرؤى والأهداف وتعدد في القيادات.
غير أن الأمر الذي أثار غضب السكان المحليين أن القوات الأمنية في عدن أصبحت برأيهم تستخدم في صراعات النفوذ، وتصفية الحسابات ما أدى إلى إرباك المشهد داخل المدينة التي تعد مركز الحكومة المعترف بها دوليًا.
محاولات تمييع القضية
قال محمد دنبع شقيق الشاب رأفت دنبع الذي قُتل على يد جنود أمنيين في قوات مكافحة الإرهاب لـ"المصدر أونلاين" إن اللجنة الأمنية التي شكلها وزير الداخلية للتحقيق في قضية مقتل شقيقة لا تزآل على تواصل معهم لكنه أشار في الأثناء إلى غياب التقدم الملموس والحقيقي لحل القضية وفق بنود الإتفاق المبرم لحلها، الذي يتضمن توقيف الأفراد المتورطين في إطلاق النار على رأفت وهو الأمر الذي لم يحدث حتى الآن.
دمبع قال إن هناك عدم وضوح وتلاعب من جانب اللجنة فيما يخص تسليم المتهمين إذ أن المهلة المتفق عليها وهي 15 يومًا أنقضت قبل أكثر من أسبوع دون إحراز أي تقدم في ملف القضية.
وقال دنبع لـ"المصدر أونلاين" إن لديهم شهود يثبتون تورط أفراد أمنيين بقتل شقيقه وأشار إلى أنهم يملكون أشياء أخرى لم يسمها.
دنبع نفى لـ"المصدر أونلاين" إن يكون الشخص الذي أشيع أنهُ قائد المجموعة والذي سلمته قوات مكافحة الإرهاب، هو بالفعل أحد المتهمين في الهجوم على شقيقة.
وأضاف أن اللجنة كانت قدمت لهم وعودًا بتسليم المتهمين غير أنه حتى الآن لا يزآل المتهمون الرئيسيون طلقاء ولم يتم تسليم أي شخص من المتهمين.
وأشار دنبع إلى أن ن عائلته لا ترغب في استغلال قضية مقتل رأفت لصالح الصراعات الداخلية في عدن، مجددًا تأكيده أن قضية شقيقه عادلة بإمتياز وهي لم تعد قضية آل دنبع فقط لكنها أصبحت قضية أهالي عدن جميعًا.
وقال دنبع لـ"المصدر أونلاين" إنه في حال استمرار المماطلة في تسليم المتهمين في مقتل رأفت فإن الإحتمالات للرد كثيرة، لكنه لم يحدد أيًا منها.
كيف قُتل رأفت دنبع؟
قال مصدر خاص لـ"المصدر أونلاين" إن حادثة مقتل الجندي رأفت دنبع كان مخططًا لها منذ فترة، إذ أنه وقبل أشهر أشتبك الشاب رأفت مع شخص يدعى" منيف" وهو أحد الأشخاص الثلاثة المتهمين في حادثة إغتصاب الطفل" س،ع" لكن محكمة الإستئناف التي أستجوبت رأفت، أصدرت حكمها لاحقًا ببراءته من تهمة الشروع بقتل "منيف".
بحسب المصدر كان رأفت يبدي استعداده للمثول أمام المحكمة وتقديم شهادتة فيما يخص حادثة اغتصاب الطفل، وبحسب المصدر كذلك فإن هذا الأمر أزعج فريق المتهمين الذي يضم "منيف" وآخرين وهو ما أدى إلى التواصل مع رأفت ومحاولة إثنائه عن الإدلاء بشهادته وتهديده في عديد مناسبات.
وعندما بدا رأفت مصرًا على تقديم شهادته استعان فريق المتهمين بنفوذ شخص يدعى "طه" يعمل في قوات مكافحة الإرهاب وهو مقرب من المتهم" منيف" لقيادة هجوم على منزل رأفت دنبع في حي الكبسة الواقع في مديرية المعلا.
المصدر الخاص الذي تحدث لـ"المصدر أونلاين" رافضًا الإفصاح عن أسمه خوفًا من ملاحقته، قال إن قوات مكافحة الإرهاب لم تكن تنوي اعتقال رأفت فقط كما بدأت تشيع الأمر وتقدم عملية إطلاق النار بحجة الرد على محاولة رأفت الهرب، قائلًا إنها كانت تنوي التخلص منه بالفعل بغية آزالة التهمة عن منيف وزملائه.
وفي الأول من مارس الماضي قاد عناصر ينتمون لقوات مكافحة الإرهاب هجومًا على منزل الشاب رأفت دنبع بحجة وجود أمر قهري بالقبض عليه وبحسب سكان محليين فإن الأفراد البالغ عددهم 6 أشخاص أطلقوا النار من سلاح متوسط"دوشكا" على منزل دنبع.
هذا الأخير خرج ليكتشف الأمر لكن الأفراد الأمنيين حاصروه وأقتادوه إلى متن مركبة عسكرية"طقم"، وبعد ذلك بدقائق أستغل رأفت محاولات والده الذي خاطب الجنود بالتوقف، ليهرب من القوة لكن الجنود أطلقوا النار بشكل مباشر على رأسه وقدميه ما أدى إلى إصابته، ونُقِل رأفت بمعية صديقة إلى مستشفى تابع لمنظمة أطباء بلا حدود في حي عمر المختار شمالي عدن.
في المعلا أصبح بعض أصدقاء رأفت في قبضة القوة ذاتها التي هاجمت منزله لكن أطلق سراحهم في وقت لاحق.
هل سيسلم المتهمون؟
في الـ5 من مارس الماضي بينما كانت الإحتجاجات تتصاعد في مديريات المعلا وخورمكسر، شكل نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية المهندس أحمد الميسري، لجنة تحقيق في قضية مقتل الشاب رأفت دنبع غير أن اللجنة التي ضمت 6 من أبرز القادة الأمنيين في عدن لم تنجح حتى الآن في تسليم المتهمين.
اللجنة التي يرأسها اللواء الركن محمد مساعد الأمير وكيل وزارة الداخلية لقطاع خدمات الشرطة، ضمت عضوية كل من اللواء أحمد علي مسعود الوكيل المساعد لقطاع الأمن، والعميد رياض السقاف مستشار وزير الداخلية، والعميد هادي علي عبيد مدير الإدارة العامة للبحث الجنائي، والعقيد أبوبكر جبر نائب مدير أمن عدن، والعقيد صالح القملي مدير البحث الجنائي في عدن.
المادة الثانية من قرار وزير الداخلية تضمنت إيقاف الجنود الذين يقفورن وراء إطلاق النار على الشاب رأفت، وبدء تحقيق شامل في الواقعة ودوافعها.
لكن المصدر الخاص الذي كان يتابع القضية منذ مابعد حادثة اغتصاب الطفل حتى مقتل الشاب رأفت دنبع قال لـ"المصدر أونلاين" إن اللجنة الأمنية المشكلة لا تملك أدوات النفوذ والصلاحية حتى تمارس الضغط على قوات مكافحة الإرهاب لتسليم المجموعة التي هاجمت رأفت وقتلته، وقال في الأثناء إن الأمر يبدو مماثلًا لوضع وزارة الداخلية في عدن إذ يقتصر حضورها فقط على الأمور الإدارية لكنها لا تستطيع التحكم بالقوات والفصائل الأمنية، إذ تبدو هذه الأخيرة أكثر قربًا من الإمارات.
وأضاف المصدر الخاص أن قوات مكافحة الإرهاب لا ترغب في تسليم أفرادها المتهمين، ولكنها أظهرت تعاونها وإستعدادها لتسليم المتهمين فيما بدأ أنهُ رضوخ من نوع ما للضغط الشعبي في ذروة الإحتجاجات الشعبية حينها، وقال إن القوات التي يقودها العقيد يسران المقطري وهو مقرب من أبو ظبي سعت لامتصاص غضب الشارع في عدن، حيث سلّمت في وقت لاحق شخص لا علاقة له بالقضية ويعتقد أنه أحد المسجونين لديها لتسكين القضية وحرف الأنظار عن المتهمين الرئيسيين.
وتواصل "المصدر أونلاين" مع مصدر أمني مطلٌع على القضية، بعد أن كنا حاولنا التواصل مع أحد أعضاء اللجنة المشكلة لكننا لم نصل له، في حين لم يتجاوب مصدر أمني معنا، بعدما كان في البداية أبدى استعداده للرد.
المصدر الأمني الذي تجاوب معنا قال لـ"المصدر أونلاين" إن اللجنة المشكلة من قبل وزير الداخلية تسعى جاهدة لتسليم المتهمين الرئيسيين في الحادثة خلال الفترة القادمة، بغية بدء تحقيق معهم حول دوافع القضية ومسبباتها بحسب ما هو متفق عليه.
لكنه لم يرد علينا حول سبب تأخير تسليم المتهمين وانقضاء المهلة المحددة، وحول ما إذا كانت هناك عراقيل تواجه عمل اللجنة، لكنه رد بما يعني، أنُ اللجنة حالما تتسلم المتهمين أو يبرز أي جديد في ملف القضية ستتحدث لوسائل الإعلام حينها.