مرت الساعات الأولى من نهار الأربعاء قبل الماضي ثقيلة وكئيبة على سكان حي عَصِر غربي صنعاء، وكان الرجال يواصلون البحث عن الطفلة غدير العصري التي لم يبن لها أثر، بعد أن اختفت وهي في طريقها للمدرسة صباح ذلك اليوم.
كانت غدير قد تأخرت لخطوات عن زميلتيها، وبمجرد أن أحست إحداهما بغيابها، أدارت ظهرها للخلف، لكن الفتاة ذات الـ 12 ربيعاً كانت قد اختفت "وكأن الأرض ابتلعتها فجأة" وبعد ساعة دبت حالة من الرعب بين الأهالي.
يقول والدها محمد غانم للجزيرة نت -محاولا تماسك نفسه- إن الحادث جرى وسط الطريق، فالطفلة اختطفت، وحتى اليوم لم تظهر "ولا توجد أي خطوط قد تمكن من العثور عليها".
يضيف "لا توجد لدينا أي معلومات عنها أو مكان اختطافها أو الجهة المحتمل أن تكون مسؤولة أو الأسباب التي دفعت لاختطافها، فالأسرة ليست لها عداء مع أي أحد".
ودفع الحادث نساء الحي بالمدينة الخاضعة لسيطرة الحوثيين إلى تنظيم مظاهرة طالبت الحوثيين بـ "إلقاء القبض على العصابات التي تمارس جرائم اختطاف الطفلات والفتيات على مرأى ومسمع من الجميع، وفي وضح النهار".
شبح مرعب
ولم تكن قصة غدير الأولى، بل إن اختطاف الفتيات أضحى شبحا يطل برأسه على سكان المدينة، فلا تكاد تمر أيام إلا ويتناقل نشطاء على مواقع التواصل وتطبيقات المراسلة صورا لطفلات من أجل البحث عنهن.
مساء 26 فبراير/شباط الماضي، كان محمد حسن يدون على صفحته بموقع فيسبوك بألم، ويطالب من يعثر على طفلته ردينة أن يتصل على رقم هاتفه، ويقول "ردينة، أغلى ما عندي، خرجت من المدرسة واختفت عقب ذلك".
ويقول الأب للجزيرة نت إن طفلته -التي تدرس بالصف الرابع الابتدائي- غادرت المدرسة الرابعة عصرا، ومنذ ذلك الحين ما تزال مفقودة بالرغم من تدخل الشرطة.
وأضاف "لدى الشرطة معلومات تتحفظ عنها من أجل سلامة الطفلة، وهي تتابع القضية" دون أن يدلي بمزيد من التفاصيل، نافيا أن يكون لديه عداء مع أحد.
بعد يومين فقط من حادث اختطاف ردينة، تعرضت فتاة أخرى للاختطاف وسط صنعاء، بعد أن توجهت لشراء خضراوات قرب منزلها. ورغم تطويق السكان للحي بالكامل ونصب نقاط التفتيش عند المداخل فإنها اختفت.
ويقول أحد سكان الحي للجزيرة نت -رافضا الكشف عن هويته لاعتبارات أمنية- إن الطفلة التي تبلغ من العمر 11 عاما لم تظهر حتى اليوم، مما أثار حالة من الرعب لدى الأهالي.
ويخشى السكان على أطفالهم وفتياتهم. ويقول حسن علي -وهو محام وأحد أقرباء غدير- إن الخوف تعاظم بين السكان و"الآن كل أم تذهب بطفلتها إلى المدرسة، ووقت المغادرة تذهب لتعيدها".
ويضيف المتحدث أن مصدرا في الشرطة أبلغه عن اختفاء ست فتيات خلال الأسبوعين الماضيين.
ووفق بيان سابق للمنظمة اليمنية لمكافحة الاتجار بالبشر (غير حكومية) فإن 120 امرأة وفتاة جرى إخفاؤهن في سجون سرية بصنعاء، وتم الإفراج عن بعضهن لاحقا نظير مبالغ مالية.
اتهامات للحوثيين
ورغم أن أهالي المختطفات لم يتهموا أي جهة، فإن منظمات حقوقية وجهت أصابع الاتهام إلى جماعة الحوثيين التي تسيطر على المدينة. وقال نبيل فاضل رئيس المنظمة اليمنية لمكافحة الاتجار بالبشر إن سلطة الأمر الواقع هي المسؤولة.
وأوضح للجزيرة نت أن الحوثيين يخطفون النساء والفتيات في فلل سكنية تابعة لقادة حوثيين، وفي إدارة البحث الجنائي، وفق معلومات حصلت عليها المنظمة من راصدين ونساء وفتيات أُفرج عنهن مقابل مبالغ مالية كبيرة.
وأضاف "تم التواصل مع بعض المخفيات اللواتي عدن إلى منازلهن، بعد مرور أشهر على خطفهن واحتجازهن وتعرضهن للتعذيب وعجز أقاربهن عن الوصول إليهن، وقد أُجبروا على الرضوخ للابتزاز مقابل الافراج عنهن حفاظاً على سمعتهم".
ويقول رئيس منظمة مكافحة الاتجار بالبشر على لسان إحدى المختطفات المفرج عنهن "العشرات من النساء والفتيات يحتجزهن الحوثيون داخل مساكن بشارع تعز شرقي صنعاء، وإن أهاليهن لا يعرفون عنهن أي معلومات".
ووفق فاضل، فإن الهدف من الاختطافات هو إرهاب ذويهن، واستخدام الفتيات والطفلات في العمل مع الجماعة كشرطة نسائية "زينبيات" واستغلال بعضهن وتجنيدهن في الإيقاع بشخصيات معارضة للحوثيين وابتزاز آخرين.
وأشار إلى أن الحوثيين "أجبروا بعض المختطفات على الاعتراف بممارسات جنسية، واستغلال تلك الاعترافات لابتزاز أهاليهن".
عدد أكبر
ولأن المجتمع اليمني محافظ بطبيعته، فإن عشرات الحوادث يتكتم الأهالي على الحديث حولها، مما يشي بأن حصيلة تلك الاختطافات أكبر، خصوصا في صنعاء ومدينة الحديدة غربي البلاد.
وقال توفيق الحميدي المحامي والناشط الحقوقي ومدير منظمة "سام" (مقرها النمسا) إنه لا توجد حصيلة محددة بسبب السرية وتكتم ذوي الضحايا، وعدم وجود سجون قانونية.
وأوضح للجزيرة نت أنه حسب شهادات موثقة لدى المنظمة، غالبا من يقف خلف حوادث الاختطافات هم قادة حوثيون وجنود من أقسام الشرطة الخاضعة للحوثيين، من أجل الابتزاز المالي لأهالي المختطفات وإرهابهم.
وأضاف "من بعض الأسباب إيغال الحوثيين في إذلال الخصوم، وتجنيد عمل الجميع لصالحهم".
مبالغات
لكن الحوثيين يقولون إن تلك الحوادث لا تعدو أن تكون مبالغة إعلامية وقصصا ملفقة وكاذبة لإشغال الرأي العام، وإن ما حدث هو اختطاف طفلة في تصرف فردي، وإن سلطات الأمن تعمل على تعقب الخاطفين وإعادة الطفلة.
وحاولت الجزيرة نت الحصول على تعليق من المسؤولين الأمنيين لكنهم رفضوا التعليق، واكتفى أحدهم بالقول للجزيرة نت إن "الإعلام يبالغ فقط، وإن الأمن يبذل جهوداً كبيرة في معرفة مصير الفتاة المختطفة غدير".
وبثت قناة "المسيرة" الناطقة باسم الحوثيين فيلما تسجيليا للرد على أخبار الاختطافات المتعلقة بالنساء والفتيات، وفيه قال مدير البحث الجنائي العميد سلطان زابن "أجهزة الأمن اعتقلت 28 شبكة متورطة في الدعارة المنظمة وتجارة الأعضاء وتعاطي المخدرات والحشيش والسرقة بالإكراه".
وأوضح أن إجراءات القبض والتفتيش والمراقبة للمنازل والأشخاص تمت بصورة قانونية وفق توجيهات من القضاء والنيابة، من بينها تصفح هواتف المتورطين واستخراج البيانات".
وأشار زابن إلى أن "تلك الشبكات مرتبطة بصورة وثيقة مع العدوان (التحالف السعودي الإماراتي) ولجأ إليه العدوان ضمن الحرب الناعمة بعد أن فشل في حربه ضد اليمنيين على الميدان".
في السياق، قال للجزيرة نت أحمد القرشي رئيس منظمة سياج للطفولة (غير حكومية تعمل بصنعاء) "عدد من القصص تشاع من وقت لآخر تتعلق باختطاف طفلات وفتيات، لكنها تحتاج لتقص مهني لكشف حقيقتها من عدمه لأن أغلبها ليست حقيقية".