دلت التحقيقات الإسرائيلية على أن قوة الكوماندوز التي تسللت إلى خان يونس أول من أمس، استهدفت ضرب «هدف كبير يحصن قوة الذراع العسكرية لحركة حماس»، لكنها علقت في كمين محكم، وكادت أن تقع في الأسر. إلا أن قوات نوعية من سلاح الجو الإسرائيلي ومختلف الأذرع العسكرية والاستخبارية، التي عملت بقيادة مباشرة من رئيس أركان الجيش، غادي آيزنكوت، بنفسه، عملت طيلة الليل وحتى الفجر على تخليصها بأي ثمن. في حين جرى تنسيق عملها مع رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، الذي قطع زيارته إلى باريس وألغى لقاء مهما مع الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، وعاد إلى تل أبيب.
ونفت إسرائيل أن تكون قد خططت لاغتيال قائد حماس في خان يونس، مؤكدة أن عملية اغتيال كهذه لم تكن تحتاج إلى تسلل ويمكن أن تتم من الجو.
وحسب ما نشر في إسرائيل، وبقدر ما سمحت الرقابة العسكرية، فإن قوة الكوماندوز تسللت إلى خان يونس في «عملية سبق وأن نفذت مثلها في عشرات المرات خلال السنوات الأخيرة». وهي تدخل في باب «عمليات التجسس»، التي تشتمل على زرع أجهزة تنصت، أو الوصول إلى نفق عسكري جديد تحفره حماس، أو التقاء جواسيس وغير ذلك. وتم إدخال الكوماندوز بواسطة سيارة مدنية، لا يعرف إن كانت إسرائيلية وتم تغيير لوحتها إلى لوحة فلسطينية، أو كانت فلسطينية أعدها جواسيس محليون. ويتضح أن قوة رصد تابعة لحماس اكتشفت عملية التسلل هذه، فاستنفرت قوات أخرى ونصبت لها كمينا. وعندما اكتشفت القوة الإسرائيلية الكمين، بدأت تصارع حتى لا تقع في الأسر. وعندها، أعلن الجيش الإسرائيلي حالة استنفار قصوى. وأطلق طائراته المختلفة إلى الجو، بعضها طائرات رصد، وأخرى طائرات قتالية تنفذ الغارات المدمرة، وبعضها مروحية لإنقاذ المحاربين.
وقد اتضح أن القوة دخلت إلى قطاع غزة بعد أن حصل الجيش على موافقة نتنياهو في باريس ووزير دفاعه، أفيغدور ليبرمان، الذي دخل غرفة القيادة في مقر رئاسة الأركان في تل أبيب، ورئيس الأركان الذي تولى القيادة مباشرة، عندما تبين أن الفرقة تورطت ووقعت في كمين. وكان القرار واضحا: محظور الوقوع في الأسر.
وهكذا، بدأت معركة حربية على الأرض بين الجنود الإسرائيليين ومقاتلي حماس، من دون أي تكافؤ، حيث قامت القوات الجوية الإسرائيلية بتصفية كل من اقترب من القوة الإسرائيلية من مقاتلي حماس. وحرص آيزنكوت على أن يتم تدمير السيارة التي استخدمتها القوة الإسرائيلية وما حملته من أجهزة إلكترونية وعبوات ناسفة. وانتهت العملية في ساعات الفجر الأولى، بسقوط 7 مقاتلين فلسطينيين وإصابة 14 آخرين، ومقتل ضابط إسرائيلي برتبة مقدم وإصابة ضابط آخر بجروح متوسطة.
وقد نفت إسرائيل أنها دخلت إلى خان يونس بهدف الاغتيال أو الاختطاف، وإنما عملية استخبارية خاصة ولكنها غير استثنائية، لأن الهدف الذي حاولت الوصول إليه هو «هدف كبير يراد به تعزيز قوة كتائب القسام التابعة لحماس». كما نفت أنها تطرح هذه الرواية «بهدف تجنب الحكومة الإسرائيلية الحرج أمام مصر التي تسعى لتثبيت التهدئة، والإيحاء بأن القوة الخاصة لم تكن تهدف إلى التصعيد، وإنما عملية خاصة استخبارية تحفظ (التفوق النوعي) لإسرائيل عسكريا».
ولوحظ أنه، ورغم ضراوة المعركة، فقد حرصت كل من إسرائيل وحماس على إبقاء اللهيب قصيرا. حماس من جهتها لم تطلق صواريخ باتجاه إسرائيل، واكتفت بالمعركة على الأرض وإطلاق قذائف قصيرة المدى، سقطت جميعها في مناطق مفتوحة في الجنوب الإسرائيلي، وإسرائيل لم تقصف أهدافا كبيرة في غزة وأعلنت حال تخليص جنودها عن انتهاء العملية. إلا أنهما أكدا، كل من طرفه، على تعزيز القوات على الحدود لمواجهة خطر التدهور، إذا ما اقتضت الضرورة ذلك.
وأقر المجلس الوزاري المصغر في الحكومة الإسرائيلية، الذي جمعه نتنياهو حال عودته من باريس، صباح أمس، هذه الاستراتيجية مؤكدا منحه فرصة أخرى للمصريين أن يتوسطوا لعودة تطبيق اتفاق الهدوء.
لكن الأوضاع سرعان ما اشتعلت، بعد إطلاق حماس عشرات الصواريخ باتجاه البلدات الإسرائيلية المحاذية لقطاع غزة. وقالت الحركة في بيان لها نقلته «رويترز»، إن الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة ردت على جريمة أمس، «وقصفت مواقع ومغتصبات العدو بعشرات الصواريخ»