بمناسبة العيد الوطني الثالث والثلاثون لإعادة تحقيق الوحدة اليمنية، أقامت الجالية اليمنية بمملكة هولندا، ندوة فكرية بعنوان (الوحدة اليمنية: الصيغة الاتحادية وتحديات التنفيذ)، والتي أحياها نخبة من الأكاديميين والباحثين اليمنيين وحضرها جمعٌ من أبناء اليمن المقيمين في هولندا.
وفي مستهل الندوة، ألقى رئيس الهيئة الإدارية للجالية اليمنية مجاهد سرحان كلمة رحّب فيها بالحاضرين، مستمعين ومتحدثين، مؤكداً على محورية دور الجاليات اليمنية في حمل القضية اليمنية وتعميق الوحدة الوطنية بين أبناء اليمن في بلاد المهجر من خلال إحياء المناسبات الوطنية وربط أجيال اليمن في الخارج بوطنهم الأم. وأشار سرحان إلى أن "الوحدة اليمنية ثابت وطني لا يمكن المساومة عليه، مهما حاول الطارئون والطامعون اصطناع حدودٍ جغرافيةٍ ودفْعها لاغتيال التاريخ اليمني الواحد، ذلك أن اليمن لم يكن عبر تاريخه إلا بلداً واحداً موحداً، تجمعه وشائج الدم والقُربى، وكل مشتركات الوحدة الوطنية، من واحدية الأرض والإنسان والتاريخ والثقافة، إلى واحدية اللغة المُسندية التي نقشها أجدادنا على نواصي الصخور في شوامخ اليمن ووديانها، من أقاصي جبال صعدة وحتى مُنتهى سهول المهرة."
وقد تضمنت الندوة أربعة محاور رئيسية، حيث تحدّث في المحور الأول (الجمهورية اليمنية .. رؤية استشرافية) الأستاذ الدكتور عبدالباقي شمسان، عالم الاجتماع اليمني، عن الوحدة اليمنية والتحديات المحدقة بها، مشيراً إلى أن اليمن تعيش لحظة مفصلية في تاريخها، وأن التحديات التي تواجهها هي تحديات تراكمية، تداخلت فيها التحديات المحلية ومغذياتها الإقليمية، والتحديات التي تواجه منطقة الشرق الأوسط على وجه العموم. وأضاف شمسان إلى أن الصراعات على السلطة بين مراكز القوى شمالا وجنوبا ،وغياب الوعي السياسي والتاريخي لدى النخب الحاكمة، حالت دون خلق هوية وطنية جامعة، ونجم عن ذلك اتساع الفجوة بين الحاكم والمحكوم، لاسيما مع انعدام التنمية والمواطنة المتساوية، الأمر الذي أدى لبروز هويات صغيرة قاتلة على حساب الهوية اليمنية الجامعة. وأشار شمسان إلى أن لا حل أمام اليمنيين في ظل هذا المشهد الضبابي إلا بالإلتفاف حول هويتهم الوطنية ومواجهة التدخلات الخارجية على حد سواء.
وفي المحور الثاني (عودة الإمامة وتهديدها للوحدة اليمنية)، تحدّث الدكتور مروان الغفوري، المؤلف والكاتب السياسي، عن الإمامة كمنظومة مغلقة على نفسها، تسعى للحكم وفقا لنظرية مرتبطة بالسماء تناقض إرادة اليمنيين على الأرض، وهذه المنظومة الإمامية تستهدف اليوم فئات عمرية معينة ويعيدوا هندستها في قالب واحد موالٍ لها، وفي حال نجحت في هندسة هذه الفئة العمرية التي تقدّر بالملايين فإنها ستجثم على الشعب اليمني لسنوات طويلة وهذا مهدد وجودي للوحدة اليمنية. وأشار الغفوري إلى أن الإمامة كمصطلح تكمن فيه كل النزعات العنصرية الإقصائية، دينيا وسياسيا ومجتمعيا، وهذا المصطلح تم النفخ فيه منذ الأيام الأولى لبروزه من خلال المرويات المتصلة بالدين والنبوة، ما جعله يرقى لمرتبة النبوة، الأمر جعل الإمامة على الدوام تسعى لتغيير شكل الدولة ووظيفتها وتلغي دستورها وقوانينها ووحدة كيانها.
وناقش المحور الثالث من الندوة " تأثير التدخلات الخارجية على الوحدة اليمنية" الذي قدّمه الأستاذ عبدالله الحرازي، الإعلامي والكاتب الصحفي، دور العامل الخارجي وأثره على وحدة الشعب اليمني، مشيراً إلى أن النزعات الإنفصالية ليست مقتصرة على اليمن دون سواها، فهناك الكثير من النزعات الإنفصالية في مختلف الدول، عربية وأوروبية، إلا أن الدول الكبرى ترى هذه الدعوات لعب بالنار، ولا يمكن التجاوب معها، رغم أن تلك الدعوات لها الحد الأدنى من المبررات سواء لدواعٍ إثنية أو دينية، وهو ما لم يوجد لدى الدعوات الانفصالية في اليمن كونها تقوم على دعوات حقوقية مطلبية يمكن حلها في ظل استقرار الدولة. وأضاف الحرازي أن هذه الدعوات تتبناها دول إقليمية وتنفخ فيها إعلامياً من أجل تحقيق مصالحها على حساب وحدة الشعب اليمني.
وفي المحور الرابع والأخير المعنون بـ (اليمن الاتحادي كضامن لسلام شامل ومستدام)، تحدث الأستاذ الدكتور علي الكازمي، الأكاديمي بجامعة امستردام، عن اليمن الاتحادي كصيغة جديدة لشكل الدولة والوحدة اليمنية، مؤكداً على أن أبناء المحافظات الجنوبية كانوا أول من دعوا للوحدة وتغنوا بها، وظلوا يحلموا بإعادة تحقيقها، ولايزال هناك من يؤمن بضرورة ديمومتها، رغم التحولات النافرة من الوحدة التي طرأت على الذهنية الجنوبية نتيجة تراكمات سياسية خاطئة اتسعت منذ الإخلال بوثيقة العهد والاتفاق وزادت اتساعا بعد حرب صيف 94 والتعسفات التي تلتها. وأشار الكازمي إلى أن حركية أحداث التاريخ اليمني تقول إن الحلول التي تصلح اليوم قد لا تصلح غدا، وهذا ما وصل إليه اليمنيون بعد ثلاثة عقود من توقيع وثيقة العهد والاتفاق. ولفت الكازمي إلى أن الوحدة بحاجة إلى تصحيح مسارها من خلال صيغة اليمن الجمهوري الإتحادي، وهي الصيغة القابلة للتنفيذ في ظل الأحداث والتحولات على الساحة اليمنية.
وقد تخلل الندوة فقرات متعددة، حيث ألقى الشاعر الدكتور عمرو ياسين قصيدة وطنية عن اليمن كثابت تاريخي لا يمكن تجريفه أو القفز عليه، كما ألقت الأستاذة هيام المقطري كلمة باسم المرأة اليمنية في هولندا مستعرضة دورها الريادي في اليمن وفي بلاد المهجر، وشاركت الفتيات برقصات طفولية على أنغام أناشيد وحدوية احتفاء بالعيد الوطني للوحدة اليمنية.