تتواصل المعارك الضارية حول مدينة مأرب التي تمثل آخر معاقل الحكومة اليمنية شمال البلاد. وكثف الحوثيون في الفترة الأخيرة من هجماتهم للاستيلاء على المدينة الاستراتيجية في المحافظة الغنية بالنفط. ويسعى الحوثيون المتحالفون مع إيران، من خلال رغبتهم في السيطرة على مأرب، إلى إحداث تغيير كبير في مسار النزاع الذي دخل عامه السابع وتعزيز موقعهم في أي مفاوضات مستقبلية.
قضى مئات المقاتلين منذ بدء الهجوم الواسع النطاق الذي أطلقه الحوثيون على مأرب في شباط/فبراير، وفقا لمصادر محلية، في وقت يشير مسؤولون في القوات الموالية للحكومة إلى أن الحوثيون يرسلون دفعات متتالية من مقاتليهم نحو مأرب.
ويمكن أن تؤدي المعارك التي تدور حول مدينة مأرب، آخر معقل للحكومة المدعومة من السعودية في شمال البلد الفقير، إلى تغيير كبير في مسار النزاع الذي دخل عامه السابع. وستشكل خسارة مأرب، إن حصلت، ضربة قوية للحكومة، وتعزز موقف الحوثيين المتحالفين مع إيران في أي مفاوضات مستقبلية، وقد تدفعهم إلى محاولة التقدم جنوبا.
وانتقد مسؤولون في السعودية قرار الرئيس الأمريكي جو بايدن العودة عن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية، وهو تصنيف كان قام به سلفه دونالد ترامب، قائلين إن هذه الخطوة شجعت الحوثيين.
ويدافع المسؤولون الغربيون عن قرار بايدن قائلين إن التسمية كانت ستؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن من دون أن تؤثر بأي شكل من الأشكال على القدرات العسكرية للحوثيين.
وقال مسؤول غربي لوكالة الأنباء الفرنسية إنه انتقد هجوم مأرب ووصفه بأنه "خطأ فادح" خلال محادثات مباشرة مع مفاوضين حوثيين، مشيرا إلى أن ذلك لم يلق آذانا صاغية.
ويقول أحد القادة العسكريين في القوات الحكومية لوكالة الأنباء الفرنسية عند جبهة الكنائس شمال المدينة "الاستراتيجية التي يتبعها الحوثي تهدف إلى إرهاق الخصم".
يرفع القائد العسكري اليمني المنظار إلى مستوى عينيه ليستطلع الأراضي الشاسعة البعيدة الممتدة أمامه بحثا عن المقاتلين الحوثيين الذين كثفوا في الفترة الأخيرة هجماتهم الدامية للاستيلاء على مدينة مأرب الاستراتيجية في المحافظة الغنية بالنفط.
وكان المسؤول يتحدث بين مجموعة من الجنود في خنادق محاطة بأكياس رملية بالقرب من مدافع رشاشة ثقيلة تم تحميلها على الجزء الخلفي من شاحنات صغيرة.
واتهم الحوثيين بالدفع بموجات من المجندين الشبان، وبينهم أطفال حتى، بهدف إضعاف القوات الموالية واستنفاد ذخيرتها.
وعادة تتبع المعارك التي تستمر ساعات فترة هدوء قصيرة تستغل لجمع الجثث. بعد ذلك، تتحرك مجددا، وفق القائد العسكري، مجموعات من المقاتلين الحوثيين، تحت غطاء قصف متواصل.
وعن الاستراتيجية التي أكدها مسؤولون يمنيون آخرون لوكالة الأنباء الفرنسية، بمن فيهم محافظ مأرب سلطان العرادة، يرى القائد الذي فضل عدم ذكر اسمه أن "الحوثيين لا يهتمون بعدد الرجال الذين يموتون" في صفوفهم.
ويؤكد أنهم، رغم ذلك، "لن يتمكنوا من الوصول إلى مأرب مهما كان الثمن".
مقاتلو الصحراء ومقاتلو الجبال
وتشكل مدينة مأرب وبعض المناطق النائية المحيطة بها آخر الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة في الشمال، فيما تخضع باقي المناطق لسيطرة الحوثيين، بما في ذلك العاصمة صنعاء الواقعة على بعد نحو 120 كلم غرب مدينة مأرب.
واستأنف الحوثيون العام الماضي في شباط/فبراير هجومهم على المدينة بتعزيزات عسكرية كبيرة.
وزار صحافي في وكالة الأنباء الفرنسية مواقع للقوات الحكومية بعدما توجه إلى المنطقة من السعودية على متن مروحية بدعوة من التحالف العسكري بقيادة الرياض الذي يقاتل الحوثيين في اليمن منذ آذار/مارس 2015.
وحلقت الطائرة على ارتفاع منخفض فوق حقول النفط المترامية الأطراف، ومصنع لتعبئة الغاز الطبيعي، ويوفر سد حديث المياه العذبة للمنطقة الجافة، وهي مواقع تجعل من مأرب هدفا مهما.
وتنتشر في مدينة مأرب، عاصمة المحافظة التي تحمل الاسم ذاته، ملصقات بأسماء وصور قادة عسكريين سقطوا في المعارك، وكذلك نقاط تفتيش.
وتعد محافظة مأرب موطنا لمئات آلاف المدنيين الذين نزحوا بسبب الصراع المستمر منذ منتصف 2014 وهم يواجهون احتمال النزوح مرة أخرى في بلد تتناقص فيه الملاذات الآمنة.
وتقول هالة الأسود (40 عاما)، وهي أم لأربعة أطفال تعيش في السويداء، أحد المخيمات البالغ عددها 140 في المحافظة، "زوجي فقد عقله" بسبب الحرب والنزوح المستمر، مضيفة أنه "أصبح يضرب الأطفال".
وكان التصعيد في الأعمال الحربية تسبب نزوح 13600 شخص الى مدينة مأرب هذا العام، وفقا لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ما وضع ضغطا شديدا على المدينة في خضم موجة ثانية لفيروس كورونا.
وفيما تعاني المخيمات من نقص المياه النظيفة والكهرباء، تتزايد الأعداد في بعضها بينما تتعرض بشكل متكرر للقصف.
وتقول امرأة في مخيم السويداء إنها أجهضت بسبب التوتر الناجم عن الحرب، بينما كانت امرأة أخرى تكشف عن جرح شظية في فروة رأس ابنها. وحملت طفلة قطعة معدنية ملتوية قالت إنها شظية قذيفة أصابت مخيمها.
"أبناء الصحراء"
ويقول عرفات (31 عاما)، وهو من سكان المخيم وأب لستة أطفال، "وقف إطلاق النار ضروري"، وإلا "فسنموت جميعا هنا".
في غضون ذلك، استجابت قبائل مأرب للدعوات المحلية لإرسال مقاتلين لتعزيز الخطوط الأمامية في المدينة إلى جانب القوات الموالية للحكومة.
ويرى العديد من رجال قبائل مأرب الذين يصفون أنفسهم بأنهم "أبناء الصحراء"، ميزة عسكرية في المشهد الصحراوي المنبسط، معتبرين أن الأرض المستوية تمنحهم ميزة على الحوثيين الأكثر مهارة في حرب الجبال.