كنخيل العراق، سُموقا وكرماً، وجّه كوكبة من أدباء وشعراء ومثقفي العراق الشقيق، وعلى مدى ثلاث ساعات، رسائل محبة لشاعر اليمن الكبير الدكتور عبدالعزيز المقالح أدامه الله؛ رسائل عبّرت عن جوهر وأصالة هذا الشعب العربي الشقيق الذي تربطنا به وشائج قربى ودم منذ أزمان غابرة.
الدكتور المقالح ليس فقط شاعراً وطنياً وعروبياً وإنسانياً، بل ثائراً سبتمبرياً مُلهماً، وواحد من أعضاء تنظيم حركة الضباط الأحرار المتنورين الذين صنعوا ضُحى أيلول الخالد، ولأنه كذلك، فقد كان ولايزال الذاكرة الوطنية المتّقدة التي حفظت تضحيات ثوار اليمن، وخلّدتهم في الوعي الوطني الجمعي عبر عشرات القصائد الشعرية والمؤلفات والدراسات التأريخية.
أمتعنا جهابذة الشعر والأدب في بلاد الرافدين، وهم يُلقون طلْع كَرَمهم النضيد على محراب شاعرنا الكبير، ويمدون ظلهم الوارف لهذه القامة اليمانية السامقة، في رسائل صادقة تحفها أرواحهم الندية المليئة بالحب والوفاء، والامتنان والعرفان، لا لكونه شاعراً وأديباً وناقداً مُلهماً، بل لأنه يماني أصيل وعربي شهم، تربّع صهوات أشغفة قلوبهم واستوطن زوايا غُرف ذاكراتهم، بسجيته النبيلة وهدوئه الوقور وخُلُقه الجم.
جل من حضر الندوة كان يتحدث عن مَقيل الدكتور المقالح الذي كان بمثابة نادٍ ثقافي جامع لهم. هناك -وفي شارع بغداد- حيث كان الشعر والأدب يضمّخ فضاءه كبخور سبئي حميري عتيق، وحيث كان لأبناء الرافدين حضور كبير في المشهد الثقافي اليمني، تعليماً في صروح الجامعات، وبحثاً في مراكز الدراسات. ولأن ذلك المقيل الثقافي بات اليوم مسكونا بالنسيان، أبى مرتادوه إلا أن يكون للمقالح مَقيل بغدادي باذخ وغامر بالحب والوفاء، ولسان حالهم يقول ما قاله أمير الشعراء أحمد شوقي:
قد يهون العمر إلا ساعة
وتهون الأرض إلا موضعا
لم تخلُ الندوة من استحضار شعر الدكتور المقالح والإشادة به من قبل كبار شعراء العراق وأدبائه، في تأكيد على قول شاعر العراق الأكبر محمد مهدي الجواهري في مقامته اليمنية:
وناقل التمر عن جهلٍ إلى هَجَرٍ
كناقلِ الشعر موشياً إلى اليمن
هذا النقاء الذي عبّر عنه كوكبة من عمالقة الشعر والأدب في بلاد الرافدين عبر منصة ابداع دليل واضح على أصالة ونقاء هذا الشعب الكريم الودود الأصيل، وما حضور وزير الثقافة العراقي الدكتور حسن ناظم لمباركة رسالة المحبة للدكتور المقالح والمشاركة فيها إلا تجسيداً لذلك الكرم المتجذّر المنبثق من نخيل العراق العظيم.