مع إعلان الحوثيين إسقاط طائرة مسيرة تركية الصنع في اليمن تزايدت التكهنات حول دعم تركي للسعودية في حربها للحوثيين، خصوصاً مع انتهاء الأزمة الخليجية التي كانت قطر، حليفة أنقرة، طرفاً رئيسياً فيها.
ومع اشتداد المعارك العنيفة بين قوات الحكومة اليمنية والحوثيين في مدينة مأرب شمالي البلاد، تواردت معلومات بكثرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي وعلى وسائل إعلام، تفيد بوصول دفعة من طائرات مسيرة تركية إلى اليمن، "بعد اتفاق تركي - سعودي لمواجهة الحوثي".
لكن الجهات الرسمية في البلدين لم تنفِ أو تؤكد الأمر، حتى خرج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ليكشف، في تصريح مقتضب (الثلاثاء 16 مارس)، أن السعودية طلبت من بلاده الحصول على طائرات مسيّرة.
ولم يكشف أردوغان تفاصيل إضافية، لكن الموقف التركي تغير مؤخراً إزاء الهجمات الحوثية على السعودية؛ بإدانتها بشكل واضح، حيث لم تكن اللهجة التركية ناعمة في السنوات السبع الماضية كما هي الآن.
إسقاط طائرة تركية
في 9 مارس 2021، أعلنت جماعة الحوثي تمكنها من إسقاط طائرة استطلاع تركية من نوع "كاريال" في محافظة الجوف، ونشرت صوراً للطائرة، دون مزيد من التفاصيل.
ومع نشر الحوثيين صور الطائرة التي تم إسقاطها، أكد المغرد السعودي الشهير "مجتهد" معلومات عن وجود مساعدة تركية للقوات السعودية، وعلق قائلاً: "أخيراً ابن سلمان يضطر صاغراً للاستعانة بتركيا في اليمن، وتركيا تقبل بشروط تغيظ الإمارات".
وبالعودة للمصادر المفتوحة على الإنترنت يتضح صحة ما أعلنه الحوثيون، وأن الطائرة تركية فعلاً، من نوع "Vestel Karayel-SU"، وهي موجودة ضمن سلاح الجو السعودي.
هذه الشركة هي شركة الإلكترونيات المتقدمة التابعة لوزارة الدفاع السعودية، وقد وقعت في عام 2017 اتفاقية لتصنيع الأنظمة الإلكترونية لطائرة "Karayel UAV" حيث سيجري نقل تصنيع الأجزاء الإلكترونية وصيانة "Karayel" إلى الشركة السعودية.
وبموجب هذه الاتفاقية فقد أعلنت الشركة السعودية أنها تملك جميع حقوق البيع والتسويق لهذه الطائرات، وأعلنت في عام 2020 أنها استثمرت مبلغاً يقدر بـ200 مليون دولار، وسيجري تخصيص أراضٍ ومناطق لتطوير أنظمة الطائرة الجوية المذكورة.
لغة دافئة
على الرغم من أن الإدانات التركية للهجمات الصاروخية التي يشنها حوثيو اليمن على السعودية ليست جديدة، فإن إدانتها الأخيرة للهجوم الحوثي على منشآت نفطية بالقرب من مدينة الدمام السعودية في 7 مارس، تحمل نكهة مختلفة.
ففي حين كانت البيانات القليلة السابقة تقتصر على الإدانة فحسب، كان البيان الأخير "أكثر دفئاً"، إذ عبرت وزارة الخارجية التركية عن "قلق بالغ إزاء الهجمات التي استهدفت أراضي المملكة العربية السعودية"، وأضافت: "نعبر عن تمنياتنا بالسلامة للمملكة العربية السعودية الشقيقة حكومة وشعباً".
ويبدو أن تغير اللهجة في صياغة البيان يعود إلى اتفاق أنقرة والرياض، نهاية العام الماضي، على تحسين العلاقات الثنائية بينهما، والتي تعكرت بشكل خاص بعد مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول، فضلاً عن الخلافات الإيديولوجية التاريخية بين الطرفين، وصراعهما على النفوذ في المنطقة.
ورغم أن مسألة مشاركة تركيا في حرب اليمن إلى جانب السعودية لا تزال في إطار التكهنات، وسط غياب مصادر رسمية حتى الآن، فإن ذلك قد لا يكون مستبعداً، إذا أخذ في الحسبان التدخلات التركية الأخيرة في كل من سوريا وليبيا وإقليم ناغورني كاراباخ.
تضخيم.. واحتياج سعودي
يقلل المحلل السياسي اليمني كمال السلامي من حديث الحوثي عن إسقاط طائرة مسيرة تركية، قائلاً إن ذلك "يأتي في سياق تضخيم الخصم، وإظهار أن الجماعة تخوض حرباً كونية ضد أعداء متعددي الجنسيات، وهذه مبالغة مقصودة للاستهلاك الداخلي".
وعن تحول المعارك ودور الطيران مؤخراً في المعارك، خصوصاً في مأرب، يقول السلامي لـ"الخليج أونلاين": "البعض اعتبر التحول في دور الطيران في المعركة الأخيرة، ودقة الضربات، مؤشراً على دخول طرف ثالث لديه خبرة في مثل هذه الحروب، وبالطبع تتجه الأنظار إلى تركيا".
ويضيف: "بالرغم من تراجع العلاقات السعودية التركية فإن هناك العديد من المعطيات التي قد تجعل التحالف السعودي التركي أمراً ممكناً خلال الفترة المقبلة، منها توقف الدعم الأمريكي للرياض في حرب اليمن، والموقف الإماراتي المريب أيضاً، الذي توج بترك الرياض وحدها تغوص في المستنقع اليمني".
ويرى أن السعودية "لديها احتياج فعلي لدور عسكري بديل للدور الأمريكي"، مضيفاً: "تركيا هي أفضل بديل بالنظر إلى الكلفة التي اضطرت الرياض إلى دفعها طيلة مشاركة واشنطن في تزويدها بالدعم العسكري واللوجستي خلال السنوات الست الماضية".
إلا أنه أشار إلى أن مثل هذا الدور، وهذه المشاركة التركية العسكرية، "لا يمكن أن تكون سرية وغير معلنة، إذ يشترط مشاركة القوات التركية في عمليات خارج الحدود المرور بسلسلة من الإجراءات الرسمية، عبر البرلمان والحكومة، وهذا ما لم نسمع عنه".
ويلفت إلى الوجود التركي في اليمن من خلال "الحضور الإنساني، بتقديم المساعدات الإنسانية"، مضيفاً: "ولا أعتقد أن ثمة ما يمنع تركيا من المشاركة في أي جهد سيساهم في حقن دماء اليمنيين، والحفاظ على وحدة وسلامة الأراضي اليمنية".
اليمن وتركيا
ترتبط اليمن بتركيا بعلاقة واسعة منذ سنوات، لكن الخلافات السعودية مع أنقرة قلصت جزئياً من العلاقات بين البلدين، وصولاً إلى عدم تعيين سفير لليمن في تركيا منذ أكثر من عامين.
في مقابل ذلك يوجد في تركيا العديد من القيادات اليمنية السياسية وأيضاً العسكرية، من بينهم الشيخ حمود المخلافي، أحد أهم القيادات في المقاومة الشعبية باليمن، والذي غادر إلى تركيا بسبب ضغوط من قبل الإمارات لكونه أحد رجال حزب الإصلاح.
وفي تركيا أيضاً قيادات سياسية بارزة في مقدمتهم الناشطة النوبلية توكل كرمان، إضافة إلى احتضان إسطنبول ثلاث قنوات تلفزيونية (يمن شباب، بلقيس، المهرية).
أما تركيا فقد كثفت مؤخراً من عملياتها الإنسانية في اليمن رغم الضغوط التي تتعرض لها، وصولاً إلى تعرض عدد من العاملين في الإغاثة للاعتداءات كان آخرها محاولة اغتيال أحد موظفي الصليب الأحمر التركي في أكتوبر 2020.
عن الخليج اونلاين