لم يكن يدر بخلد اليمنيين أن يأتي يوم يتحول فيه من يُفترض أنهم جاؤوا لمواجهة الحوثيين إلى أعداء، فقد أضحى الانتقالي الجنوبي الذي يدعمه أحد أطراف التحالف شوكة في حلق الحكومة اليمنية، وأمام هدفها بتحرير اليمن من المليشيا التي تدعمها إيران.
وبينما كان اليمنيون يأملون أن تسهم السعودية في قصقصة أجنحة الانتقالي الجنوبي فقد وجدوا أنفسهم وسط متاهة من التعقيدات السياسية والعسكرية، وصولاً إلى السماح لمتمرد على الشرعية اليمنية برفع علمه الانفصالي في الرياض، وسط صمت من الجانب الرسمي اليمني.
ومع تجاهل السعوديين لتلك الخطوة التي تعد مخالفة لاتفاق الرياض، أبدى الكثير من اليمنيين استياءهم، مع مطالبات بوقف ما وصفوه بـ"استفزاز الانتقالي"، ليطرح تساؤلات عما إن كانت الرياض بدأت بالتحرك نحو الاعتراف بالانتقالي ممثلاً للجنوبيين.
علم الانفصال بالسعودية
في 11 سبتمبر 2020، أثارت واقعة رفع علم "المجلس الانتقالي الجنوبي" المدعوم إماراتياً في السعودية احتجاجاً يمنياً، وسط صمت من الحكومة اليمنية بقيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي.
وظهر رئيس ما يسمى بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" المدعوم من الإمارات، عيدروس الزبيدي، في الرياض وبجواره علم الانفصال وبحراسة سعودية.
وقال موقع المجلس على الإنترنت إن الزبيدي التقى بنخبة من قيادات ما أسماها بـ"الجالية الجنوبية في المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي".
كما بدا لافتاً قيام أحد الضباط السعوديين برفع صوته موجهاً لبعض الحاضرين قوله: "أوقف يا ولد.. الرئيس جاء"، في إشارة للزبيدي خلال دخوله إلى قاعة ذلك الاجتماع، الذي أعلن فيه إقامة جالية جنوبية بالمملكة ودول الخليج.
ودفعت تلك الواقعة وزيراً يمنياً مستقيلاً للاحتجاج لدى السفير السعودي في بلاده؛ إذ قال وزير النقل المستقيل صالح الجبواني، في 19 سبتمبر، إنه تقدم باحتجاج للسفير السعودي (محمد آل جابر) وطلب منه توضيحاً بشأن "رفع عيدروس الزبيدي علماً غير العلم اليمني في الرياض".
سيادة لليمن
يقول الكاتب والصحفي اليمني محمد اللطيفي إن السعودية لا تتعامل مع اليمن باعتبارها دولة مستقلة ذات سيادة، مشيراً إلى أن ذلك له "خلفية تاريخية منذ نشأة المملكة وليس وليد اللحظة".
ويرى أنه من هذه النقطة "يمكن فهم سبب تغاضي الرياض ليس فقط عن رفع علم الجنوب داخل أراضيها بل عن كل تصرفات السعودية تجاه اليمن طوال السنوات الماضية".
ويعتقد في حديثه لـ"الخليج أونلاين" أن ما حدث من رفع لعلم الانفصال "ليس إلا نتيجة لانتهاك السعودية القديم للسيادة اليمنية"، مضيفاً: "المملكة وفرت الغطاء السياسي واللوجستي للمجلس الانتقالي المدعوم عسكرياً من الإمارات، ولولا هذا الغطاء لما كان للانتقالي هذا النفوذ الحالي في بعض مناطق الجنوب".
وعن سبب توفير الرياض هذا الغطاء لمليشيا متمردة على شرعية حليفة للرياض يقول اللطيفي: "بتقديري السعودية تريد جلب الانتقالي لحظيرتها السياسية، وترغب منه أن يصبح تابعاً لها مثله مثل الشرعية المهاجرة هناك، بل إن حروبها ضد الحوثي هي بهدف إخضاعها لتصبح تابعة لها".
وأضاف: "هنا يمكن فهم قصة العلم الجنوبي بالرياض؛ فهي تتعامل مع كل الأطراف على أنها كيانات مستلبة وفاقدة السيادة، وتريد من الشرعية أن تبقى كياناً مفرغاً من مضمون الدولة والجمهورية، ليمثل غطاء الانتقالي وغيره لفرض شرعية يمنية جديدة بالصبغة السعودية".
رئيسان في الرياض
وتحتضن الرياض الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، وأصبحت مدينة لإقامته المؤقتة منذ 2015، لكنها مؤخراً أصبحت تحتضن أيضاً عيدروس الزبيدي، الذي يرى في نفسه رئيساً لجنوب اليمن، ويقوم بذات الوقت بما يقوم به هادي من لقائه بسفراء ومسؤولين غربيين.
ولا تحظى حكومة هادي بتقدير من الإمارات التي دخلت معها في صراعٍ في جنوب اليمن، ومكنت قوات "الانتقالي الجنوبي" من السيطرة على محافظات جنوبية، كانت آخرها جزيرة سقطرى الاستراتيجية، بينما تدعم بقوة أي خطوات يقوم بها الزبيدي وقيادات مجلسه.
تسمين الثعابين
ويصف المحلل السياسي اليمني خليل العمري ما حدث في الرياض بكونه سياسة تتبعها السعودية وصفها بـ"سياسة تسمين الثعابين، غير آبهة بمدى خطورة الرقص على رؤوسها لاحقاً، وهي السياسة التي انتهجها الرئيس السابق علي صالح وأودت بحياته".
وأضاف: "السعودية والإمارات لديها مصالح تحققت على يد المجلس الانتقالي، خاصة في المناطق الساحلية والاستراتيجية في جنوب البلاد، لهذا يعمل المجلس كمقاول محلي لمشاريع إقليمية، ولهذا يحظى بدعم الرياض وأبوظبي مقابل فتور في العلاقة مع الحكومة اليمنية الشرعية".
وعن إمكانية اعتراف السعودية بالمجلس الانفصالي كممثل لجنوب اليمن يقول العمري لـ"الخليج أونلاين": "أعتقد أن السعودية اعترفت فعلياً بالمجلس وفتحت مقراً له بالرياض، ويحظى رئيسه باهتمام رسمي، وميدانياً يحظى بتسليح قوي".
لكنه يرى أن هذه الخطوة وإن بدت غير رسمية "ليست مقبولة على المستويين الشعبي والدولي؛ هناك تشديد على وحدة اليمن من الجانب الدولي ورفض لسياسات تقسيم اليمن من قبل اليمنيين وأيضاً المجتمع الدولي".
فشل اتفاق الرياض
ويقترب اتفاق الرياض من نهاية عامه الأول دون حدوث انفراجة في الأزمة بين الحكومة اليمنية والانتقالي الجنوبي، التي بدأت عقب انقلاب قام به الأخير بدعم إماراتي بالسيطرة على العاصمة المؤقتة عدن، في أغسطس 2019.
ومنذ توقيع اتفاق الرياض، نهاية العام الماضي، لا تزال الآمال معقودة عليه لإنهاء الصراع في الجنوب وصولاً لطاولة تفاوض تجمع كل الأطراف اليمنية، لكن يبدو أن النسخة المعدلة من الاتفاق تواجه أيضاً صعوبات.