تعد الفترة التاريخية الممتدة من عام 1918-1962م من أهم الفترات التاريخية في تاريخ اليمن الحديث،ذلك انه في تلك الفترة شهدت اليمن خروج القوة العثمانية من اليمن ،وقيام وتأسيس الدولة اليمنية بقيادة الامام يحي حميد الدين ، وقيام الحركة الوطنية كنقيض للنظام الامامي ،تعمل و تدعوا الى اسقاطة وإقامة نظام بديل ، شهدت اليمن ايضاَ خلال تلك الفترة قيام ثلاث ثورات هي:ثورة 1948م او ما سمي ثورة الدستور ،ثورة 1955م بقيادة الثلايا، ثورة ستمبر 1962م والذي تعد أهم حدث شهدته اليمن في القرن الماضي.
لذلك من المهم جدا العودة لفهم وقراءات أحدث تلك الفترة ليس لأهميتها فقط،لكن لمعرفة وفهم كثير من الاحداث التي تجري اليوم.ذلك ان الكثير من الاحداث التي تجري اليوم هي في
الحقيقةانعكاس وامتداد لاحداث تلك الفترة.
من المؤسف جدا إنه لم يتم إي توثيق تأريخي رسمي أو غير رسمي يوثق لاحداث تلك الفترة ،فلايوجد إي ارشيف مادي من وسائل إعلام أو سجلات أو محاضر أو مراسلات رسمية يمكن الرجوع اليها للمعرفة والتحري عن أحداث تلك الفترة.
والمتاح الوحيد لمعرفة أحداث ذلك التاريخ هي مجموعة من المذكرات الشخصية التي كتبت في فترات لاحقة.
وتأتي مذكرات الرئيس الارياني ، متميزة ،بنشر الكثير من الاحداث والمواقف والطرائف ،التي تصور الوضع آنذاك بأقرب صورة له ، إضافة الي تميزها بالموضوعية والرصانه العلمية، والبعد عن صنع وتصنع البطولات والادوار الزائفة ،والمعارك الشخصية.
كذلك تعد أوفي وأشمل وأهم ماصدر عن الحركة الوطنية حتى اليوم ،اضافة انها الاقرب الي تحري الصدق والحقيقة..وأهم مافي هذه المذكرات من وجهة نظر هو نقلها لاحوال الناس البسطاء ،فرغم ان القاضي الارياني كان من أهم رموز وجالات الدولة آنذال، إلا ان مذكراته لم تقتقر على أخبار القصور وماجرى فيها ، بل نجد في المذكرات قصة امرأة فاضلة في وادي الحار في ذمار وابن بعدان الذي نسي القاضي اسمه ولم ينس مواقفه ولقبه
ومقهوي السياني "الحاج عبده" الذي أنفجر باكيا حين رأي أهم احرار ومفكري اليمن مرجومين في زاوية المسجد وهم مقيدون يالسلاسل والاغلال ،كذلك قصة ابن الشعر وهو يرجم شكواه في وجه الامام يحي في دمت قائلاً بلهجته الدارجة (موالى الي الولد الحسن بتاريخه ) ثم يقول "لقد عرفنا إن الامام يحي هوالظالم لنا وليس الولد الحسن بتأريخه فيضحك الناس ويتمعر وجه الامام "هذه القصص وغيرها تتفرد فيها مذكرات القاضي الارياني .
ولذلك سنحاول نشر أهم ماورد فيها من طرائف ومواقف وأحداث التي وإن كانت جرت بالامس ،فإن لها صلة من قريب أو بعيد بالاحداث التي تجري اليوم ولا تخلوا من الدروس و العبر التاريخية التي نحن أجوج ما نكون اليها في هذه اللحظات الصعبة الي يمر بها وطننا.
مواقف وطرائف في مذكرات الرئيس الإرياني1
نهب يريم
في صفر سنة 1329ه الموافق 1911م ،جرد الإمام يحي جيشاً لتأديب بعض القبائل على رأسه السادة عبدالله بن ابراهيم ،ومحمد بن يوسف ،ويحي بن محمد الهادي .
وقد مر الجيش على مدينة يريم ، وكانت مدينة من المدن الزيدية الموالية للإمام يحي ،ففتحت أبوابها للجيش معتزة به كجيش يكافح لتحرير اليمن من السلطات العثمانية .ولكن الجيش المؤلف من قبائل همجية قد هالهم ما رأوه في بيوت المواطنيين الذين فتحوها لاستضافتهم من متاع وأموال لا عهد لهم بمثلها.
قأقدموا على نهب كل ماوصلت اليه أيديهم ،حتى بلغ بهم الأمر الي أن يقطعوا آذان النساء ليأخذوا الأقراص التي عليها.
وعلى سبيل النكته يقول القاضي الإرياني: كان والده يروي قصة وهي أن بعض الجنود دخلوا الي بيت ،وكان قد سبقهم اليه من أخذ كل مافيه ولم يبقى إلا فرش طفل ينام عليه طفل صغير ، فرفعوه من على الفرش ووضعوه على الحصير وأخذوا الفرش فقال أحدهما للآخر : أترك الفرش للطفل ،فرفض .فقال له:اتركه فما يضيع عند الله شيئ .فقد أعتبر أن تركه للفرش الوحيد الباقي صدقة لايضيع أجرها عندالله.
ونكته أخر وهي أنه جاء يوم الجمعة والقوم لايزالون في يريم، فحضر كثير منهم للصلاة ،وقام السيد محمد بن يوسف ،أحد قادة الجيش خطيباً في القوم ينعي عليهم مافعلوه في المدينة من نهب وسلب وأخذته العبرة والتأثر فبكى،فقال أحد عرفاء الجيش أم سيد يبكي لأن نصيبه من أم فيد قليل(أي السيد يبكي لأن نصيبه من الغنيمة قليل) حيث ظهر أن القائد كان قد شارك الجيش فيما نهبوه ،ولكن نصيبه كان قليل، ولم يكن كما كان يطمع.