أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن السبت الماضي عن إقامة "إدارة ذاتية" للجنوب اليمني، في خطوة أثارت تساؤلات عن مصير "إتفاق الرياض"، الذي رعته السعودية بين المجلس المطالب بالانفصال والحكومة اليمنية وإمكانية تنفيذه على أرض الواقع.
وبينما رأى محللون يمنيون في خطوة المجلس الانتقالي "قفزة للأمام" لتجاوز إتفاق الرياض، اعتبر اخرون أنه "لا يتعارض" مع الاتفاق الموقع قبل قرابة ستة أشهر، والذي يمكن تنفيذه بشروط.
وأعلن المجلس الإنتقالي الجنوبي السبت الماضي "الإدارة الذاتية" للجنوب اليمني وحالة الطوارئ العامة في مدينة عدن وعموم محافظات جنوب اليمن.
وشرعت القوات الجنوبية السبت في تأمين جميع المنشآت السيادية والمرافق الهامة والمؤسسات الحكومية في مدينة عدن، بحسب مسؤولين جنوبيين.
وأثار إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي ردود فعل واسعة محلية وخارجية.
وقالت الحكومة اليمنية إن إعلان المجلس الإنتقالي يعد "تمردا واضحا" على الشرعية و"انقلابا صريحا" على اتفاق الرياض.
واعتبرت الحكومة أن المجلس الانتقالي "أقدم على نسف كافة الجهود المبذولة منذ أشهر لتطبيق اتفاق الرياض، ومعالجة تداعيات التمرد المسلح مطلع أغسطس الماضي".
وسيطرت قوات المجلس الانتقالي على مدينة عدن ومعظم محافظات الجنوب اليمني في أغسطس من العام الماضي، بعد مواجهات مسلحة مع القوات الحكومية اليمنية.
وفي خطوة لإنهاء النزاع، رعت السعودية مفاوضات بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي انتهت بتوقيع اتفاق في الخامس من نوفمبر الماضي بالرياض.
ونص اتفاق الرياض على تشكيل حكومة مناصفة بين المحافظات الجنوبية والشمالية خلال 30 يوما، وتنظيم القوات العسكرية والأمنية تحت قيادة وزارتي الدفاع والداخلية، لكن تنفيذه على أرض الواقع تعثر حتى اليوم.
ورأى المحلل السياسي اليمني ياسر اليافعي، أن إعلان المجلس الانتقالي "لايتعارض مع اتفاق الرياض بالمطلق".
وقال اليافعي لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن إعلان المجلس الانتقالي "جاء كخطوة تساهم في الدفع بتنفيذ اتفاق الرياض وتسريع تطبيقه على أرض الواقع بعد تعثره نتيجة رفض الحكومة الشرعية تنفيذ الكثير من البنود".
وأوضح أن خطوة الانتقالي "جاءت بعد تراجع الخدمات في الجنوب بشكل كبير وفشل الحكومة في مهامها وواجباتها في ظل تعثر اتفاق الرياض، وهو ما جعل المحافظات الجنوبية مهددة باجتياح مليشيا الحوثي مجدداً"، بحسب رأيه.
واعتبر اليافعي أن الإعلان "جاء بشكل استباقي بهدف الضغط على التحالف العربي والرئيس عبدربه منصور هادي، لتنفيذ اتفاق الرياض لإنقاذ ما يمكن إنقاذه".
وإثر إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي، دعا التحالف العربي بقيادة السعودية الإثنين إلى عودة الأوضاع إلى سابق وضعها في مدينة عدن.
وأكد التحالف في بيان "ضرورة إلغاء أي خطوة تخالف اتفاق الرياض والعمل على التعجيل بتنفيذه".
ودعت الإمارات، وهي شريك رئيسي في التحالف العربي للسعودية، المجلس الانتقالي الجنوبي إلى التراجع عن قراره، وقالت إنها تعارض أي تغيير من طرف واحد في الوضع في اليمن.
ورأى المحلل السياسي اليمني رشاد الشرعبي، أن إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي "تجاوز" اتفاق الرياض.
وأوضح الشرعبي ل(شينخوا) أن المجلس الانتقالي مجرد أداة لفاعل إقليمي هو من يقرر تنفيذ الاتفاق من عدمه، دون تسميته.
وأضاف "ماحدث خلال الفترة الماضية هو تلكؤ عن تنفيذ الاتفاق لعدم الرغبة بالتنفيذ من قبل من يمسك بزمام أمور المجلس الانتقالي"، معتبرا أن الإعلان الأخير بشأن الإدارة الذاتية "هو لتجاوز الاتفاق والقفز عليه".
وأكد الشرعبي أن إعلان المجلس الانتقالي "لن يتم التراجع عنه إلا في حال حسم الأمر مع من يقف وراءه والوصول إلى صيغة معينة قد لا تكون في صالح اليمن عامة والحكومة الشرعية خاصة".
وشاطره الرأي الصحفي اليمني خليل العمري، الذي رأى أن المجلس الإنتقالي "مارس سياسة القفز إلى الأمام" بإعلانه الأخير الإدارة الذاتية للجنوب اليمني، لكن فرضية تنفيذ اتفاق الرياض مازالت قائمة بشروط.
وأوضح العمري، وهو رئيس تحرير موقع (رأي اليمن) ل(شينخوا) أن المجلس الإنتقالي "مارس سياسة الهروب إلى الأمام"، مشيرا إلى أن الإعلان جاء "عقب ضغوط شعبية ودولية على المجلس للسماح للحكومة بالعودة إلى عدن عقب تفاقم الوضع في المدينة نتيجة أضرار السيول وفي ظل مخاوف تفشي مرض كورونا في البلاد".
وأضاف أن "المعضلة اليمنية الحالية مرتبطة في الوفاء بالمعاهدات والإتفاقيات بين المكونات اليمنية، مرورا بالمبادرة الخليجية 2011، ومؤتمر الحوار الوطني 2014 واتفاقية ستوكهولم 2018، ثم اتفاق الرياض الأخير المُوقع في نوفمبر 2019".
وأكد العمري أن "إتفاق الرياض لا يزال قابل للتطبيق متى ما استشعر المجلس الانتقالي المسؤولية للظروف الصعبة الراهنة التي تمر بها البلاد، بالإضافة إلى قيام أبوظبي والرياض بالضغط الصادق على الأطراف لتنفيذ الإتفاق".
وكان الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش، قد حث جميع الأطراف المعنية "على ممارسة أقصى درجات ضبط النفس والامتناع عن أي إجراءات من شأنها أن تزيد من تصعيد الموقف"، بحسب المتحدث باسمه ستيفان دوجاريك.
ودعا الأمين العام إلى تنفيذ اتفاق الرياض وتركيز الجهود على مكافحة انتشار (كوفيد-19).
ويشهد اليمن نزاعا دمويا منذ أواخر عام 2014، عندما اجتاح الحوثيون جزءا كبيرا من البلاد وسيطروا على جميع المحافظات الشمالية، بما في ذلك العاصمة صنعاء بالقوة العسكرية.