بعد قرابة ثلاثة أسابيع من إعلان أول إصابة بفيروس كورونا المستجد في اليمن؛ ما زال الأمر يشكل لغزا محيراً، ولا يعرف ما إذا كانت أول حالة إصابة مؤكدة مختبريا في اليمن هي بالفعل لفرد مصاب بمرض يمكن أن يكون تفشيه مدمرا بشكل غير عادي.
وتعكس فجوة المعلومات عدم قدرة اليمن على رصد عدوى تذل دولا بالغة الثراء، ناهيك عن مكافحتها.
فاليمن يقف عاجزا بسبب فقره في معركته على فيروس كورونا المستجد، كما أنه منقسم إلى مراكز قوى متنافسة وبنيته التحتية الطبية منهارة بسبب الحرب وتعتبره الأمم المتحدة يشهد أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
وقال ألطف موساني، ممثل منظمة الصحة العالمية في اليمن، إن انتقال المرض فيه يمكن أن يكون فيما سماه مرحلة ”الحالات الفردية“، وهي مقدمة محتملة لعدوى عنقودية.
لكن من المستحيل تحديد من يسمى ”المريض صفر“ وهي خطوة مهمة في تتبع وتعقب كل أولئك الذين يحتمل تعرضهم للعدوى واحتواء تفشي المرض.
وجرى فحص صالح، الذي وصفت حالته بالمستقرة، مع أنه مدخن شره ويعاني من مشاكل في القلب، في السابع من أبريل في منشأة طبية بميناء الشحر بعد ظهور الأعراض عليه، وجرى فحصه مجددا في العاشر من إبريل، وجاءت النتيجة إيجابية في المرتين.
وقال رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة فيروس كورونا إن مسؤولي الصحة سارعوا بعد ذلك لتحديد أكثر من 150 شخصا في منطقة حضرموت بجنوب البلاد خالطوا الرجل البالغ من العمر 60 عاما في الأسبوعين اللذين سبقا تشخيص حالته.
وقال علي الوليدي لرويترز ”كل المخالطين عن قرب وضعوا تحت الملاحظة وظهرت أعراض على بعضهم لكن الفحوص أثبتت أن حالاتهم سلبية“، موضحا أن سعالهم وارتفاع حرارتهم كان بسبب إنفلونزا عادية.
وصدرت أوامر لزهاء 20 شخصا، بينهم أُسرة صالح الذين خالطوه عن قرب، بوضع أنفسهم في عزل ذاتي لمدة أسبوعين.
وخلُصت السلطات إلى أنها لم تستطع تحديد ما إذا كان صالح، الذي تم حجب اسمه بالكامل لأسباب تتعلق بالخصوصية، هو أول ناشر للعدوى في اليمن لأن قدرتها على إجراء الفحوص غير كافية.
ويقول الممرض مجدي باقحوم إنه وزميله سالم باحسن كُلفا بنقل الحالة المصابة بفيروس كورونا من غرفة العناية في مجمع تيسير الطبي إلى غرفة عزل مؤقتة جُهزت له في مستشفى الشحر الحكومي وإنهما جلسا مع المصاب قرابة ساعة ونصف الساعة داخل الإسعاف ”مرت علينا وكأنها سنة ونصف“. وكانا في غاية القلق لأن هذه أول مرة يتعاملان فيها مع مريض بكوفيد-19.
وجرى إغلاق ميناء الشحر للتعقيم لمدة أسبوع، وفُرض على حضرموت، أكبر محافظة في اليمن حظر تجول جزئي وصدرت أوامر لجميع عمال الميناء بعزل أنفسهم ذاتيا لمدة أسبوعين، وأغلقت المحافظات المجاورة حدودها معها.
مستمرون في البحث
تقول منظمات إغاثة إنها تخشى حدوث كارثة إذا تفشى الفيروس بين السكان الذين يعانون سوء التغذية وحيث تنتشر أمراض مثل الكوليرا، ويعتمد نحو 80 في المئة من السكان أو 24 مليون شخص على المساعدات الإنسانية.
وقالت منظمة الصحة العالمية، اعتمادا على نماذج كلية إمبريال كوليدج في بريطانيا، إن السيناريو المحتمل لتفشي المرض مع خطوات الاحتواء يمكن أن يشهد إصابة أكثر من 55 في المئة من السكان مع وفاة أكثر من 42 ألفا بسبب المرض.
وقال موساني إن اليمن لديه 570 وحدة عناية فائقة و17 ألف سرير في جميع أنحاء البلاد، نصفها مشغول بالفعل.
وأضاف ”في ذروة الإصابة بفيروس كورونا في اليمن قد يحتاج إلى 18 ألف سرير و2500 وحدة عناية فائقة لمرضى كوفيد-19 فقط، بوسعك تخيل الفجوة“.
وهناك أدلة على كيفية إصابة صالح بعدوى المرض.
فبموجب وظيفته في الشحر اجتمع صالح وتعامل مع مسؤولين حكوميين وعسكريين وتجار على متن عشرات السفن التي ترسو كل يوم بالبضائع، ومعظمها من عُمان والإمارات.
ورجح محافظ حضرموت فرج البحسني، أن يكون المصاب قد تعرض للعدوى عن طريق النشاط البحري.
لكن السلطات أشارت أيضا إلى أن صالح زار ثلاث مناطق مختلفة في حضرموت خلال الأسبوعين اللذين سبقا نوبات سعاله المستمرة، على حد قولهم.
وقال البحسني لوسائل إعلام محلية ”يقول المسؤولون في اليمن إنهم لم يتمكنوا من تحديد كيفية انتقال العدوى إلى الرجل وإنهم مستمرون في البحث لمعرفة أسباب انتقالها“.
وغاص اليمن في الحرب التي قُتل فيها أكثر من 100 ألف شخص منذ أطاحت جماعة الحوثي المتحالفة مع إيران بالحكومة المعترف بها دوليا من العاصمة صنعاء أواخر عام 2014 الأمر الذي دفع تحالفا بقيادة السعودية إلى التدخل.
وأعلن التحالف هدنة من جانب واحد على صعيد اليمن بسبب الوباء لكن الحوثيين، الذين يسيطرون على معظم المراكز الحضرية الكبرى، لم يقبلوها والعنف مستمر.
وقال مصدران مطلعان على الموضوع لرويترز إن هناك حالة مؤكدة واحدة على الأقل في العاصمة صنعاء. لكن وزارة الصحة التي يسيطر عليها الحوثيون نفت ذلك وقالت إن نتائج فحص جميع الحالات المشتبه فيها جاءت سلبية.