أعد تقرير وكالة “أسوشيتد برس” الإخبارية الأميركية حول تخادم المصالح والفساد بين وكالات الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية والحوثيين للأذهان تحقيقات صحافية سابقة للوكالة وغيرها من الجهات وهي تفاصيل يعرفها الكثير من اليمنيين، لكن السؤال المتكرر في كل مرة هو: هل سيجري محاسبة المسؤولين المتورطين بهذه الوكالات، وهل ستتخذ هي وغيرها من المانحين إجراءات صارمة بحق الحوثيين؟
في الأيام الماضية وقبل أن تنشر الوكالة الأميركية هذا التقرير المدعوم بوثائق وتصريحات مسؤولين معنيين، كان العديد من الجهات الدولية المانحة تدرس تعليقاً مؤقتاً لأنشطتها في اليمن رداً على اشتراط الحوثيين حصولهم على نسبة ٢ في المائة من مبلغ مخصص للشؤون الإنسانية ضمن قائمة طويلة من المطالب غير المشروعة والانتهاكات التي لا حصر لها.
وبعد تصاعد الضغوط من هذه الجهات، شعر الحوثي أنه قد يخسر امتيازات كثيرة مالية وتموين غذائي وطبي، فأبلغها تراجعه عن فرض تلك النسبة، لكن قد تكون تلك مجرد حيلة من تكتيكه المعروف عندما يتعرض لمأزق معين، وهو الافتراض المرجح في ظل تمسكه بالمطالب الأخرى واعتزامه الحصول على تنازلات جديدة.
بعض المصادر ترجع موقف الوكالات العاملة والجهات المانحة إلى أنه تصعيد معتاد نهاية كل عام وبداية آخر وربما يكون الجديد أن ثمة اتفاقاً بين هذه الجهات وأغلبها أممية وبين المبعوث الأممي مارتن غريفيث بغية دفع الحوثيين لإبداء مرونة في ملف الأسرى والمحتجزين الذي يمثل أهم بنود اتفاق السويد وهو ما حدث بمشاركتهم في اجتماع مع الطرف الحكومي أفضى لاتفاق جديد لتبادل بين الطرفين لكنه مجرد حبر على ورق حتى الآن.
الأمر أقرب لصفقة مقايضة وفق هذه المصادر بين الحوثيين والوكالات والمبعوث، بحيث يتراجعون جزئياً عن بعض مطالبهم مقابل تخلي هذه الجهات عن تنفيذ تهديداتها وانتهاء الأزمة مثل كل مرة دون معالجتها كلياً أو معرفة كيف انتهت، وبذلك تكون مشاركتهم باجتماع الأردن بمثابة خدمة للمبعوث لتسويق الاتفاق على أنه انجاز جديد له وهذا ما حدث في إحاطته الأخيرة لمجلس الأمن وكل هذا بهدف استمراره بمهمته التي كان يُفترض تنتهي منتصف فبراير الجاري.
لا تجزم ذات المصادر بوجود اتفاق بين هذه الأطراف خلف الكواليس ولكنها تتوقع أن يتكرر سيناريو العام الماضي وتستنتج من الحركة الدبلوماسية لغريفيث وسرعة تجاوب الحوثيين مع الضغوط وإظهاره تراجعاً شكلياً، ويبقى الاختبار فيما تظهره الأيام القادمة.
وبالعودة لتقرير الوكالة الأميركية، فقد ذكر أن الحوثيين منعوا حق الوصول إلى المناطق الخاضعة لسيطرتهم متوقفين على مجموعة من الشروط التي ترفضها وكالات الإغاثة، لأنها ستمنحهم نفوذاً أكبر على من يتلقى المساعدات.
وقال مسؤول رفيع المستوى في الأمم المتحدة، لم يكشف عن هويته، إن عرقلة الحوثيين أعاقت العديد من البرامج التي تغذي السكان الذين يتضورون جوعاً تقريباً، وأن أكثر من مليوني مستفيد سيتأثرون مباشرة.
وتظهر الوثائق أن الحوثيين يعارضون الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة لتشديد الرقابة على حوالى 370 مليون دولار في السنة التي تقدمها وكالاتها بالفعل للمؤسسات الحكومية التي يسيطرون عليها. من المفترض أن تدفع هذه الأموال الرواتب والتكاليف الإدارية الأخرى، لكن أكثر من ثلث الأموال التي أنفقت العام الماضي لم تتم مراجعتها، وفقًا لوثيقة داخلية تم تسريبها إلى الوكالة.
لكن ماذا فعلت الأمم المتحدة؟ تجيب الوكالة بالقول إنها التزمت الصمت إلى حد كبير وهذا دليل على طبيعة التخادم والفساد بين الطرفين.
لقد حجب الحوثيون تأشيرات وتصاريح المعدات والإمدادات ورفضوا منح تصاريح لمهام الأمم المتحدة للتنقل عبر المناطق التي يسيطر عليها المتمردون.
وهنا دليل آخر على التخادم والفساد، ويتمثل بما قاله عمال الإغاثة للوكالة من “أن استعداد قادة الوكالات في السابق للتنازل عن بعض مطالب المتمردين شجع قادة الحوثيين على الضغط من أجل المزيد”.
لم تتخذ المنظمة الدولية أي إجراء ضدهم على الرغم من كل ما قاموا به من عرقلة لجهودها ومنعها من الوصول للمستفيدين ونهب المواد الغذائية والطبية ومضايقة واختطاف عمال الإغاثة.
الفضيحة الجديدة للوكالات الأممية بحسب وثائق حصلت عليها “أسوشيتد برس” تتمثل في أن ثلاث وكالات أممية كانت “تمنح رواتب لرئيس هيئة شكلها الحوثيون للتحكم بالمساعدات ونائبه والمديرين العامين. يتلقى كل واحد من المسؤولين ما مجموعه 10000 دولار شهرياً من الوكالات، بحسب جدول البيانات”.
كما قدمت وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة مليون دولار كل ثلاثة أشهر لتغطية تكاليف استئجار المكاتب والتكاليف الإدارية للهيئة الحوثية، في حين أن وكالة الهجرة التابعة للأمم المتحدة قدمت للهيئة 200000 دولار أخرى للأثاث والألياف البصرية.
وبعد كل هذا هل لا يزال هناك أمل بأن تنفذ تلك الجهات تهديدها وتجبر الحوثيين على التخلي عن مطالبهم والتوقف عن انتهاكاتهم، وهل ستجري هي داخلها مراجعة ومحاسبة بحق المسؤولين الذين كانوا يغضون الطرف ويتبادلون المنافع مع الحوثيين وهو فساد واضح، أم أن التسوية الغامضة التي اعتدنا عليها هي من ستحسم الخلاف بين الطرفين؟