منذ طرد الحوثيين من عدن غرقت هذه المدينة المسالمة والمدنية في مستنقع الاغتيالات والتي تشتد وتيرتها فجأة وأيضا تختفي فجأة وكأنها تسير بـ(رموت كنترول)، وتتغير ضحاياها الموسمية، فتارة يستهدف خطباء وأئمة مساجد وتارة أخرى عساكر وضباط الأمن وتارة ثالثة رجال قضاء وسياسيين.
وتشهد عدن عودة قوية لظاهرة الانفلات الأمني من بوابة الاغتيالات التي عادت إلى الواجهة خلال هذا الشهر باستهداف مسئولين أمنيين، وسط سيطرة وانتشار لقوات الحزام الأمني في ظل إدارة سعودية للوضع الأمني في عدن.. ولكن السؤال لماذا عادت الاغتيالات مجددا؟.. ولماذا في هذا التوقيت بالذات؟.. وهل يراد من الانفلات الأمني إفشال تنفيذ اتفاق الرياض؟.. وما هي الرسالة التي يحملها عودة الانفلات الأمني من بوبة الأمنيين؟
من جانبها بينت الكاتبة وأديبة جنوبية كيف ستؤثر عمليات الاغتيالات على الشارع الجنوبي.
وقالت هدى العطاس إن اغتيال القيادات لن يكون الأخير وستتوالى بعده الاغتيالات ولن تتوقف، فهي تزحف غايتها القضاء على كل القيادات الجنوبية.
عودة الاغتيالات
تشهد عدن عودة قوية للاغتيالات حيث قـتل قيادي أمني في الحزام الامني بمنطقة مصعبين يدعى راشد السعدي، صباح أمس، وبحسب شهود عيان فإن مسلحين تعقبوا السعدي وأطلقوا النار عليه لحظة اقترابه من جولة مصعبين التي يعمل فيها قائدا لنقطة الجولة.
كما عثر على مرافق لمسئول أمني مقتولا، أمس الأول، يدعى مروان رضوان محمد علي، وبحسب إفادة المواطنين فإن الجندي يعمل مرافقا لمدير شرطة كابوتا.
وعلى الصعيد نفسه نجا القيادي في مقاومة عدن العقيد عبدالله النجدي، من محاولة اغتيال، وقال شهود عيان، إن مجهولين باشروا اطلاق النار على سيارة العقيد عبدالله النجدي، حيث تبادل اطلاق النار معهم هو ومرافقه، مما أدى إلى إصابته هو ومرافقه الشخصي بجروح.
وتأتي هذه المحاولة الثانية بعد محاولة اغتيال من قبل، حيث كان العقيد النجدي قد تعرض لمحاولة اغتيال سابقة، منذ قيادته العديد من الاقتحامات في عدن، أثناء تطهيرها من الحوثيين، وهو أحد المقاتلين ضمن المقاومة المسلحة مع قائد محور العند سابقا اللواء محمد صالح طماح.
وفي اليوم نفسه، أمس الأول، أقدم مسلحون مجهولون على قتل مواطن في مديرية الشيخ عثمان بالعاصمة عدن، وقال شهود عيان "إن مسلحين مجهولين على متن دراجة نارية أطلقوا وابلا من الرصاص على مواطن في مديرية الشيخ عثمان وأردوه قتيلا، مؤكدين أن القتيل هو أحد أبناء مديرية الشيخ عثمان ويدعى عبدالله سيف محمد حسن.
عدن.. مدينة الموت
ونتيجة للانفلات الأمني أصبحت يطلق على عدن مدينة الموت لكثرة القتل والنهب والسطو، فيها فقد أقدم شاب في العشرينيات من عمره على قتل عمه في عدن، حيث قالت مصادر إن المواطن عبدالرحمن سالم عبيد لقي مصرعه فجر السبت الماضي.. مضيفة أنه قتل على يد نجل شقيقه، ويدعى خلدون وليد سالم عبيد.
كما لقيت امرأة في العقد الرابع من عمرها مصرعها فجر الخميس الماضي داخل أحد فنادق مديرية المنصورة بعدن، حيث قال مصدر أمني أن الجريمة حدثت في أحد فنادق مدينة المنصورة بالعاصمة عدن، ساردا تفاصيل الواقعة بقوله "بدأت القصة حين وصل الجاني (أخو الزوج) للفندق الذي يسكن فيه زوج المجني عليها وزوجته، وبعد مشادة كلامية مع زوج المرأة قام الجاني بإشهار مسدسه الشخصي وأطلق طلقة واحدة أصابت الزوجة برأسها".
كما هاجمت مجموعة مسلحة على متن أطقم أمنية قبل يومين فندقا سياحيا بعدن، وبحسب شهود عيان فإن مسلحين على متن أطقم أمنية يتبعون متنفذا حاصروا فندق السلام السياحي الواقع بالقرب من جولة الكراع، مطالبين المستثمر والنزلاء بالمغادرة.
كما أكدت مصادر صحفية أنها اتصلت بعمليات إدارة امن عدن لمعرفة التفاصيل، إلا أن إدارة الأمن أكدت عدم صلتها بتلك المجاميع المسلحة.
كما اندلعت عصر أمس الاثنين اشتباكات مسلحة بأحد أحياء مديرية المعلا بين مسلحين يتنازعون السيطرة على أرضية مسببة حالة من الهلع لدى المواطنين.
غياب الدولة وفر غطاء للإجرام
يقول مراقبون للشأن العدني إن الجريمة في عدن انتعشت في الفترة الأخيرة ووصلت لدرجة لم تعهدها عدن واليمن من قبل، وآخرها الاغتيالات والنهب والسطو المسلح.. موضحا أنها تضاف لعدد من الجرائم السابقة التي لم تعرفها عدن من قبل وتقيد الجرائم ضد مجهول رغم ان مصادر الجريمة معروفة لكن غياب الدولة وفر غطاء للمجرمين للنشاط دون خوف من العقاب.
ويشير أولئك المراقبون إلى أن غياب الدولة واجهزتها الرسمية الامنية والشرطية والعدلية انعش سوق الجريمة بالتزامن مع تضارب وتداخل التشكيلات المسلحة التي تعمل تحت عنوان توفير الأمن.. مضيفين: التحالف يتحمل المسئولية بالدرجة الاولى لأنه من سمح بغياب اجهزة الدولة الرسمية وهو من يغذي الانقسام والفوضى وتداخل اداء التشكيلات المسلحة وبعضها يعمل خارج نطاق مؤسسات الدولة وهذا هو الخلل الرئيسي الذي تعاني منه عدن والمحافظات المحررة.
ويستطرد بعضهم قائلاً: عدن التي كانت مثلا يقتدى به في التعايش والتسامح وملجأ النخب الثقافية والادبية والعلمية وكانت مصدر اشعاع والهام لحركات التحرر الوطني اليمني اصبحت اليوم بيئة طاردة حتى لأبنائها وتسعى بعض الاطراف لتحويلها إلى (خرابة) وقد تحقق هذا بالفعل.
حلول.. هل تجد آذانا؟
واقترح ناشطون سياسيون ومتابعون للوضع بعدن أن الحل الوحيد لوقف هذا التدهور واستعادة عدن لمكانتها هو تفعيل دور الاجهزة الأمنية وعود مؤسسات الدولة وإجراء تغييرات جذرية للطواقم القيادية في المؤسسة الامنية والاستخبارية بالاعتماد على الكفاءات والخبرات الوطنية المشهود لها بالنزاهة والتي تعمل بعيدا عن اي انتماء سياسي او مناطقي وليس لها ارتباطات بالخارج.
وقالوا: "إن ما يحدث في عدن يحزن كل جنوبي ولن تعود عدن كما كانت الا باستبعاد بؤر التوتر والفوضى ونافخي روح المناطقية واستحضار الصراعات تحت مسميات مختلفة".. لافتين إلى أن عودة مؤسسات الدولة هي الخطوة الأولى، وإنهاء التداخل في العمل الأمني المدعوم من التحالف، وتغييرات شاملة لقيادات العمل الأمني في الصفين الأول والثاني والمستويات التنفيذية، بدون ذلك فعدن ستذهب للفوضى اكثر وقد تتطور الجريمة إلى عمل مؤسسي ممنهج.